[ ص: 84 ]   ( وامتازوا اليوم أيها المجرمون    ) . 
ثم قال تعالى : ( وامتازوا اليوم أيها المجرمون    ) . 
وفيه وجوه منها تبيين وجه الترتيب أيضا : 
الأول : امتازوا في أنفسكم وتفرقوا كما قال تعالى : ( تكاد تميز من الغيظ    ) [ الملك : 8 ] أي بعضه من بعض غير أن تميزهم من الحسرة والندامة ، ووجه الترتيب حينئذ أن المجرم يرى منزلة المؤمن ورفعته ونزول دركته وضعته فيتحسر فيقال لهم : ( وامتازوا اليوم    ) إذ لا دواء لألمكم ولا شفاء لسقمكم . 
الثاني : امتازوا عن المؤمنين ، وذلك لأنهم يكونون مشاهدين لما يصل إلى المؤمن من الثواب والإكرام ثم يقال لهم : تفرقوا وادخلوا مساكنكم من النار فلم يبق لكم اجتماع بهم أبدا . 
الثالث : امتازوا بعضكم عن بعض على خلاف ما للمؤمن من الاجتماع بالإخوان الذي أشار إليه بقوله تعالى : ( هم وأزواجهم    ) فأهل النار يكون لهم العذاب الأليم ، وعذاب الفرقة أيضا  ولا عذاب فوق الفرقة ، بل العقلاء قالوا بأن كل عذاب فهو بسبب تفرق اتصال ، فإن من قطعت يده أو أحرق جسمه فإنما يتألم بسبب تفرق المتصلات بعضها عن بعض ، لكن التفرق الجسمي دون التفرق العقلي . 
الرابع : امتازوا عن شفعائكم وقرنائكم فما لكم اليوم حميم ولا شفيع . 
الخامس : امتازوا عما ترجون واعتزلوا عن كل خير ، والمجرم هو الذي يأتي بالجريمة ، ويحتمل أن يقال : إن المراد منه أن الله تعالى يقول امتازوا فيظهر عليهم سيما يعرفون بها ، كما قال تعالى : ( يعرف المجرمون بسيماهم    ) [ الرحمن : 41 ] وحينئذ يكون قوله تعالى : ( وامتازوا    ) أمر تكوين ، كما أنه يقول : ( كن فيكون    ) كذلك يقول : امتازوا فيتميزون بسيماهم ويظهر على جباههم أو في وجوههم سواء . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					