ثم قال تعالى : ( إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار ) والمراد أن ، والمراد بهذا الكذب - وصفهم بهذه الأصنام بأنها آلهة مستحقة للعبادة مع علمهم بأنها جمادات خسيسة ، وهم نحتوها وتصرفوا فيها ، والعلم الضروري حاصل بأن وصف هذه الأشياء بالإلهية كذب محض ، وأما الكفر فيحتمل أن يكون المراد منه الكفر الراجع إلى الاعتقاد ، والأمر ههنا كذلك ، فإن وصفهم لها بالإلهية كذب ، واعتقادهم فيها بالإلهية جهل وكفر . من أصر على الكذب والكفر بقي محروما عن الهداية
ويحتمل أن يكون المراد كفران النعمة ، والسبب فيه أن العبادة نهاية التعظيم ، ونهاية التعظيم لا تليق إلا بمن يصدر عنه غاية الإنعام ، وذلك المنعم هو الله سبحانه وتعالى ، وهذه الأوثان لا مدخل لها في ذلك الإنعام ، . فالاشتغال بعبادة هذه الأوثان يوجب كفران نعمة المنعم الحق
ثم قال تعالى : ( لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار ) والمراد من هذا الكلام - إقامة ، وبيانه من وجوه : الدلائل القاهرة على كونه منزها عن الولد
الأول : أنه لو اتخذ ولدا لما رضي إلا بأكمل الأولاد وهو الابن ، فكيف نسبتم إليه البنت .
الثاني : أنه سبحانه واحد حقيقي ، والواحد الحقيقي يمتنع أن يكون له ولد ، أما أنه واحد حقيقي فلأنه لو كان مركبا لاحتاج إلى كل واحد من أجزائه ، وجزؤه غيره ، فكان يحتاج إلى غيره ، والمحتاج إلى الغير ممكن لذاته ، والممكن لذاته لا يكون واجب الوجود لذاته ، وأما أن الواحد لا يكون له ولد فلوجوه :
الأول : أن الولد عبارة عن جزء من أجزاء الشيء ينفصل عنه ، ثم يحصل له صورة مساوية لصورة الوالد ، وهذا إنما يعقل في الشيء الذي ينفصل منه جزء ، والفرد المطلق لا يقال ذلك فيه .
الثاني : شرط الولد أن يكون مماثلا في تمام الماهية للوالد ، فتكون حقيقة ذلك الشيء حقيقة نوعية محمولة على شخصين ، وذلك محال ، لأن تعيين كل واحد منهما إن كان من لوازم تلك الماهية لزم أن لا [ ص: 212 ] يحصل من تلك الماهية إلا الشخص الواحد ، وإن لم يكن ذلك التعيين من لوازم تلك الماهية كان ذلك التعيين معلوما بسبب منفصل ، فلا يكون إلها واجب الوجود لذاته ، فثبت أن كونه إلها واجب الوجود لذاته يوجب كونه واحدا في حقيقته ، وكونه واحدا في حقيقته يمنع من ثبوت الولد له ، فثبت أن كونه واحدا يمنع من ثبوت الولد .
الثالث : أن الولد لا يحصل إلا من الزوج والزوجة ، والزوجان لا بد وأن يكونا من جنس واحد ، فلو كان له ولد لما كان واحدا ، بل كانت زوجته من جنسه ، وأما أن كونه قهارا يمنع من ثبوت الولد له ، فلأن المحتاج إلى الولد هو الذي يموت فيحتاج إلى ولد يقوم مقامه ، فالمحتاج إلى الولد هو الذي يكون مقهورا بالموت ، أما الذي يكون قاهرا ولا يقهره غيره كان الولد في حقه محالا ، فثبت أن قوله : ( هو الله الواحد القهار ) ألفاظ مشتملة على دلائل قاطعة في نفي الولد عن الله تعالى .