(
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=41إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=42الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=43أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=44قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=41إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=42الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=43أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=44قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون ) ، في الآية مسائل :
[ ص: 247 ] المسألة الأولى : اعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعظم عليه إصرارهم على الكفر كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=6فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا ) [ الكهف : 6 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=3لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين ) [ الشعراء : 3 ] وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ) [ فاطر : 8 ] فلما أطنب الله تعالى في هذه الآية في فساد مذاهب المشركين تارة بالدلائل والبينات ، وتارة بضرب الأمثال ، وتارة بذكر الوعد والوعيد أردفه بكلام يزيل ذلك الخوف العظيم عن قلب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=41إنا أنزلنا عليك الكتاب ) الكامل الشريف لنفع الناس ولاهتدائهم به ، وجعلنا إنزاله مقرونا بالحق ، وهو المعجز الذي يدل على أنه من عند الله ، فمن اهتدى فنفعه يعود إليه ، ومن ضل فضير ضلاله يعود إليه (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=41وما أنت عليهم بوكيل ) والمعنى أنك لست مأمورا بأن تحملهم على الإيمان على سبيل القهر ، بل القبول وعدمه مفوض إليهم ، وذلك لتسلية الرسول في إصرارهم على الكفر ، ثم بين تعالى أن
nindex.php?page=treesubj&link=32028_30454الهداية والضلال لا يحصلان إلا من الله تعالى ، وذلك لأن الهداية تشبه الحياة واليقظة ، والضلال يشبه الموت والنوم ، وكما أن الحياة واليقظة وكذلك الموت والنوم لا يحصلان إلا بتخليق الله عز وجل وإيجاده ، فكذلك الهداية والضلال لا يحصلان إلا من الله تعالى ، ومن عرف هذه الدقيقة فقد عرف سر الله تعالى في القدر ،
nindex.php?page=treesubj&link=28792ومن عرف سر الله في القدر هانت عليه المصائب ، فيصير التنبيه على هذه الدقيقة سببا لزوال ذلك الحزن عن قلب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهذا وجه النظم في الآية ، وقيل : نظم الآية أنه تعالى ذكر حجة أخرى في إثبات أنه الإله العالم ، ليدل على أنه بالعبادة أحق من هذه الأصنام .
المسألة الثانية : المقصود من الآية
nindex.php?page=treesubj&link=32887أنه تعالى يتوفى الأنفس عند الموت وعند النوم ، إلا أنه يمسك الأنفس التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى وهي النائمة إلى أجل مسمى ، أي : إلى وقت ضربه لموتها ، فقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=42الله يتوفى الأنفس حين موتها ) يعني أنه تعالى يتوفى الأنفس التي يتوفاها عند الموت يمسكها ولا يردها إلى البدن ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=42ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى ) يعني أن النفس التي يتوفاها عند النوم يردها إلى البدن عند اليقظة ، وتبقى هذه الحالة إلى أجل مسمى ، وذلك الأجل هو وقت الموت ، فهذا تفسير لفظ الآية ، وهي مطابقة للحقيقة ، ولكن لا بد فيه من مزيد بيان ، فنقول : النفس الإنسانية عبارة عن جوهر مشرق روحاني إذا تعلق بالبدن حصل ضوؤه في جميع الأعضاء ، وهو الحياة ، فنقول : إنه في وقت الموت ينقطع تعلقه عن ظاهر هذا البدن وعن باطنه وذلك هو الموت ، وأما في وقت النوم فإنه ينقطع ضوؤه عن ظاهر البدن من بعض الوجوه ولا ينقطع ضوؤه عن باطن البدن ، فثبت أن الموت والنوم من جنس واحد ، إلا أن الموت انقطاع تام كامل ، والنوم انقطاع ناقص من بعض الوجوه .
وإذا ثبت هذا ظهر أن
nindex.php?page=treesubj&link=32886القادر العالم الحكيم دبر تعلق جوهر النفس بالبدن على ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يقع ضوء النفس على جميع أجزاء البدن ظاهره وباطنه ، وذلك اليقظة .
وثانيها : أن يرتفع ضوء النفس عن ظاهر البدن من بعض الوجوه دون باطنه ، وذلك هو النوم .
وثالثها : أن يرتفع ضوء النفس عن البدن بالكلية ، وهو الموت ، فثبت أن الموت والنوم يشتركان في كون كل واحد منهما توفيا للنفس ، ثم يمتاز أحدهما عن الآخر بخواص معينة في صفات معينة ، ومثل هذا التدبير العجيب لا يمكن صدوره إلا عن القادر العليم الحكيم ، وهو المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=42إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) ويحتمل أن يكون المراد بهذا أن الدليل يدل على أن الواجب على العاقل أن يعبد إلها موصوفا بهذه القدرة وبهذه الحكمة ، وأن لا يعبد الأوثان التي هي جمادات لا شعور لها ولا إدراك .
واعلم أن الكفار أوردوا على هذا الكلام سؤالا ، فقالوا : نحن لا نعبد هذه الأصنام لاعتقاد أنها
[ ص: 248 ] آلهة تضر وتنفع ، وإنما نعبدها لأجل أنها تماثيل لأشخاص كانوا عند الله من المقربين ، فنحن نعبدها لأجل أن يصير أولئك الأكابر شفعاء لنا عند الله ، فأجاب الله تعالى بأن قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=43أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون ) وتقرير الجواب : أن هؤلاء الكفار إما أن يطمعوا بتلك الشفاعة من هذه الأصنام ، أو من أولئك العلماء والزهاد الذين جعلت هذه الأصنام تماثيل لها ، والأول باطل ؛ لأن هذه الجمادات وهي الأصنام لا تملك شيئا ولا تعقل شيئا ، فكيف يعقل صدور الشفاعة منها .
والثاني باطل ؛ لأن في
nindex.php?page=treesubj&link=28766_30379يوم القيامة لا يملك أحد شيئا ، ولا يقدر أحد على الشفاعة إلا بإذن الله ، فيكون الشفيع في الحقيقة هو الله الذي يأذن في تلك الشفاعة ، فكان الاشتغال بعبادته أولى من الاشتغال بعبادة غيره ، وهذا هو المراد من قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=44قل لله الشفاعة جميعا ) ثم بين أنه لا ملك لأحد غير الله بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=44له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون ) ومنهم من تمسك في نفي الشفاعة مطلقا بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=44قل لله الشفاعة جميعا ) ، وهذا ضعيف لأنا نسلم أنه سبحانه ما لم يأذن في الشفاعة لم يقدر أحد على الشفاعة ، فإن قيل : قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=42الله يتوفى الأنفس حين موتها ) فيه سؤال ؛ لأن هذا يدل على أن المتوفي هو الله فقط ، وتأكد هذا بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2الذي خلق الموت والحياة ) [ الملك : 2 ] ، وبقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=258ربي الذي يحيي ويميت ) [ البقرة : 258 ] ، وبقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=28كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ) [ البقرة : 28 ] ، ثم إن الله تعالى قال في آية أخرى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=11قل يتوفاكم ملك الموت ) [ السجدة : 11 ] ، وقال في آية ثالثة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=61حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا ) [ الأنعام : 61 ] ، وجوابه : أن المتوفي في الحقيقة هو الله ، إلا
nindex.php?page=treesubj&link=29747أنه تعالى فوض في عالم الأسباب كل نوع من أنواع الأعمال إلى ملك من الملائكة ، ففوض قبض الأرواح إلى ملك الموت ، وهو رئيس وتحته أتباع وخدم ، فأضيف التوفي في هذه الآية إلى الله تعالى بالإضافة الحقيقية ، وفي الآية الثانية إلى ملك الموت ؛ لأنه هو الرئيس في هذا العمل ، وإلى سائر الملائكة ؛ لأنهم هم الأتباع لملك الموت ، والله أعلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=41إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=42اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=43أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=44قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=41إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=42اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=43أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=44قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) ، فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
[ ص: 247 ] الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : اعْلَمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْظُمُ عَلَيْهِ إِصْرَارُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=6فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا ) [ الْكَهْفِ : 6 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=3لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) [ الشُّعَرَاءِ : 3 ] وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ) [ فَاطِرٍ : 8 ] فَلَمَّا أَطْنَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ فِي فَسَادِ مَذَاهِبِ الْمُشْرِكِينَ تَارَةً بِالدَّلَائِلِ وَالْبَيِّنَاتٍ ، وَتَارَةً بِضَرْبِ الْأَمْثَالِ ، وَتَارَةً بِذِكْرِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ أَرْدَفَهُ بِكَلَامٍ يُزِيلُ ذَلِكَ الْخَوْفَ الْعَظِيمَ عَنْ قَلْبِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=41إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ ) الْكَامِلَ الشَّرِيفَ لِنَفْعِ النَّاسِ وَلِاهْتِدَائِهِمْ بِهِ ، وَجَعَلْنَا إِنْزَالَهُ مَقْرُونًا بِالْحَقِّ ، وَهُوَ الْمُعْجِزُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، فَمَنِ اهْتَدَى فَنَفْعُهُ يَعُودُ إِلَيْهِ ، وَمَنْ ضَلَّ فَضَيْرُ ضَلَالِهِ يَعُودُ إِلَيْهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=41وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ) وَالْمَعْنَى أَنَّكَ لَسْتَ مَأْمُورًا بِأَنْ تَحْمِلَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ عَلَى سَبِيلِ الْقَهْرِ ، بَلِ الْقَبُولُ وَعَدَمُهُ مُفَوَّضٌ إِلَيْهِمْ ، وَذَلِكَ لِتَسْلِيَةِ الرَّسُولِ فِي إِصْرَارِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32028_30454الْهِدَايَةَ وَالضَّلَالَ لَا يَحْصُلَانِ إِلَّا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْهِدَايَةَ تُشْبِهُ الْحَيَاةَ وَالْيَقَظَةَ ، وَالضَّلَالَ يُشْبِهُ الْمَوْتَ وَالنَّوْمَ ، وَكَمَا أَنَّ الْحَيَاةَ وَالْيَقَظَةَ وَكَذَلِكَ الْمَوْتَ وَالنَّوْمَ لَا يَحْصُلَانِ إِلَّا بِتَخْلِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِيجَادِهِ ، فَكَذَلِكَ الْهِدَايَةُ وَالضَّلَالُ لَا يَحْصُلَانِ إِلَّا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَمَنْ عَرَفَ هَذِهِ الدَّقِيقَةَ فَقَدْ عَرَفَ سِرَّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقَدَرِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28792وَمَنْ عَرَفَ سِرَّ اللَّهِ فِي الْقَدَرِ هَانَتْ عَلَيْهِ الْمَصَائِبُ ، فَيَصِيرُ التَّنْبِيهُ عَلَى هَذِهِ الدَّقِيقَةِ سَبَبًا لِزَوَالِ ذَلِكَ الْحُزْنِ عَنْ قَلْبِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَذَا وَجْهُ النَّظْمِ فِي الْآيَةِ ، وَقِيلَ : نَظْمُ الْآيَةِ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ حُجَّةً أُخْرَى فِي إِثْبَاتِ أَنَّهُ الْإِلَهُ الْعَالِمُ ، لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ بِالْعِبَادَةِ أَحَقُّ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَامِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : الْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=32887أَنَّهُ تَعَالَى يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ عِنْدَ الْمَوْتِ وَعِنْدَ النَّوْمِ ، إِلَّا أَنَّهُ يُمْسِكُ الْأَنْفُسَ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى وَهِيَ النَّائِمَةُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ، أَيْ : إِلَى وَقْتٍ ضَرَبَهُ لِمَوْتِهَا ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=42اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) يَعْنِي أَنَّهُ تَعَالَى يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ الَّتِي يَتَوَفَّاهَا عِنْدَ الْمَوْتِ يُمْسِكُهَا وَلَا يَرُدُّهَا إِلَى الْبَدَنِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=42وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) يَعْنِي أَنَّ النَّفْسَ الَّتِي يَتَوَفَّاهَا عِنْدَ النَّوْمِ يَرُدُّهَا إِلَى الْبَدَنِ عِنْدَ الْيَقَظَةِ ، وَتَبْقَى هَذِهِ الْحَالَةُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ، وَذَلِكَ الْأَجَلُ هُوَ وَقْتُ الْمَوْتِ ، فَهَذَا تَفْسِيرُ لَفْظِ الْآيَةِ ، وَهِيَ مُطَابِقَةٌ لِلْحَقِيقَةِ ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مَزِيدِ بَيَانٍ ، فَنَقُولُ : النَّفْسُ الْإِنْسَانِيَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ جَوْهَرٍ مُشْرِقٍ رُوحَانِيٍّ إِذَا تَعَلَّقَ بِالْبَدَنِ حَصَلَ ضَوْؤُهُ فِي جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ ، وَهُوَ الْحَيَاةُ ، فَنَقُولُ : إِنَّهُ فِي وَقْتِ الْمَوْتِ يَنْقَطِعُ تَعَلُّقُهُ عَنْ ظَاهِرِ هَذَا الْبَدَنِ وَعَنْ بَاطِنِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْمَوْتُ ، وَأَمَّا فِي وَقْتِ النَّوْمِ فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ ضَوْؤُهُ عَنْ ظَاهِرِ الْبَدَنِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ وَلَا يَنْقَطِعُ ضَوْؤُهُ عَنْ بَاطِنِ الْبَدَنِ ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمَوْتَ وَالنَّوْمَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ ، إِلَّا أَنَّ الْمَوْتَ انْقِطَاعٌ تَامٌّ كَامِلٌ ، وَالنَّوْمُ انْقِطَاعٌ نَاقِصٌ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ .
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ظَهَرَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32886الْقَادِرَ الْعَالِمَ الْحَكِيمَ دَبَّرَ تَعَلُّقَ جَوْهَرِ النَّفْسِ بِالْبَدَنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :
أَحَدُهَا : أَنْ يَقَعَ ضَوْءُ النَّفْسِ عَلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ ، وَذَلِكَ الْيَقَظَةُ .
وَثَانِيهَا : أَنْ يَرْتَفِعَ ضَوْءُ النَّفْسِ عَنْ ظَاهِرِ الْبَدَنِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ دُونَ بَاطِنِهِ ، وَذَلِكَ هُوَ النَّوْمُ .
وَثَالِثُهَا : أَنْ يَرْتَفِعَ ضَوْءُ النَّفْسِ عَنِ الْبَدَنِ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَهُوَ الْمَوْتُ ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمَوْتَ وَالنَّوْمَ يَشْتَرِكَانِ فِي كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَوَفِّيًا لِلنَّفْسِ ، ثُمَّ يَمْتَازُ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ بِخَوَاصَّ مُعَيَّنَةٍ فِي صِفَاتٍ مُعَيَّنَةٍ ، وَمِثْلُ هَذَا التَّدْبِيرِ الْعَجِيبِ لَا يُمْكِنُ صُدُورُهُ إِلَّا عَنِ الْقَادِرِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=42إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَذَا أَنَّ الدَّلِيلَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَعْبُدَ إِلَهًا مَوْصُوفًا بِهَذِهِ الْقُدْرَةِ وَبِهَذِهِ الْحِكْمَةِ ، وَأَنْ لَا يَعْبُدَ الْأَوْثَانَ الَّتِي هِيَ جَمَادَاتٌ لَا شُعُورَ لَهَا وَلَا إِدْرَاكَ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْكُفَّارَ أَوْرَدُوا عَلَى هَذَا الْكَلَامِ سُؤَالًا ، فَقَالُوا : نَحْنُ لَا نَعْبُدُ هَذِهِ الْأَصْنَامَ لِاعْتِقَادِ أَنَّهَا
[ ص: 248 ] آلِهَةٌ تَضُرُّ وَتَنْفَعُ ، وَإِنَّمَا نَعْبُدُهَا لِأَجْلِ أَنَّهَا تَمَاثِيلُ لِأَشْخَاصٍ كَانُوا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ، فَنَحْنُ نَعْبُدُهَا لِأَجْلِ أَنْ يَصِيرَ أُولَئِكَ الْأَكَابِرُ شُفَعَاءَ لَنَا عِنْدَ اللَّهِ ، فَأَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=43أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ ) وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ : أَنَّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ إِمَّا أَنْ يَطْمَعُوا بِتِلْكَ الشَّفَاعَةِ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَامِ ، أَوْ مِنْ أُولَئِكَ الْعُلَمَاءِ وَالزُّهَّادِ الَّذِينَ جُعِلَتْ هَذِهِ الْأَصْنَامُ تَمَاثِيلَ لَهَا ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجَمَادَاتِ وَهِيَ الْأَصْنَامُ لَا تَمْلِكُ شَيْئًا وَلَا تَعْقِلُ شَيْئًا ، فَكَيْفَ يُعْقَلُ صُدُورُ الشَّفَاعَةِ مِنْهَا .
وَالثَّانِي بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28766_30379يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ شَيْئًا ، وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى الشَّفَاعَةِ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ، فَيَكُونُ الشَّفِيعُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهَ الَّذِي يَأْذَنُ فِي تِلْكَ الشَّفَاعَةِ ، فَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِعِبَادَتِهِ أَوْلَى مِنَ الِاشْتِغَالِ بِعِبَادَةِ غَيْرِهِ ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=44قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ) ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ لَا مُلْكَ لِأَحَدٍ غَيْرُ اللَّهِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=44لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) وَمِنْهُمْ مَنْ تَمَسَّكَ فِي نَفْيِ الشَّفَاعَةِ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=44قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ) ، وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّا نُسَلِّمُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مَا لَمْ يَأْذَنْ فِي الشَّفَاعَةِ لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ عَلَى الشَّفَاعَةِ ، فَإِنْ قِيلَ : قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=42اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) فِيهِ سُؤَالٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُتَوَفِّيَ هُوَ اللَّهُ فَقَطْ ، وَتَأَكَّدَ هَذَا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ) [ الْمُلْكِ : 2 ] ، وَبِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=258رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ) [ الْبَقَرَةِ : 258 ] ، وَبِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=28كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ) [ الْبَقَرَةِ : 28 ] ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=11قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ ) [ السَّجْدَةِ : 11 ] ، وَقَالَ فِي آيَةٍ ثَالِثَةٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=61حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا ) [ الْأَنْعَامِ : 61 ] ، وَجَوَابُهُ : أَنَّ الْمُتَوَفِّيَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ ، إِلَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29747أَنَّهُ تَعَالَى فَوَّضَ فِي عَالَمِ الْأَسْبَابِ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَعْمَالِ إِلَى مَلَكٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، فَفَوَّضَ قَبْضَ الْأَرْوَاحِ إِلَى مَلَكِ الْمَوْتِ ، وَهُوَ رَئِيسٌ وَتَحْتَهُ أَتْبَاعٌ وَخَدَمٌ ، فَأُضِيفَ التَّوَفِّي فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِضَافَةِ الْحَقِيقِيَّةِ ، وَفِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى مَلَكِ الْمَوْتِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الرَّئِيسُ فِي هَذَا الْعَمَلِ ، وَإِلَى سَائِرِ الْمَلَائِكَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ هُمُ الْأَتْبَاعُ لِمَلِكِ الْمَوْتِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .