( هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون )
قوله تعالى : ( هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون )
اعلم أنه تعالى لما ذكر انتقال الإنسان من كونه ترابا إلى كونه نطفة ثم إلى كونه علقة ثم إلى كونه طفلا ثم إلى بلوغ الأشد ثم إلى الشيخوخة واستدل بهذه التغيرات على وجود الإله القادر قال بعده : ( وهو الذي يحيي ويميت ) يعني كما أن الانتقال من صفة إلى صفة أخرى من الصفات التي تقدم ذكرها يدل على الإله القادر ، فكذلك ، وقوله ( الانتقال من الحياة إلى الموت وبالعكس يدل على الإله القادر فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) فيه وجوه :
الأول : معناه أنه لما نقل هذه الأجسام من بعض هذه الصفات إلى صفة أخرى لم يتعب في ذلك التصرف ولم يحتج إلى آلة وأداة ، فعبر عن نفاذ قدرته في الكائنات والمحدثات من غير معارض ولا مدافع بما إذا قال : ( كن فيكون ) .
الوجه الثاني : أنه عبر عن الإحياء والإماتة بقول : ( كن فيكون ) فكأنه قيل : الانتقال من كونه ترابا إلى كونه نطفة ، ثم إلى كونه علقة ، انتقالات تحصل على التدرج قليلا قليلا ، وأما صيرورة الحياة فهي إنما تحصل لتعليق جوهر الروح النطقية به ، وذلك يحدث دفعة واحدة ، فلهذا السبب وقع التعبير عنه بقوله ( كن فيكون ) .
الوجه الثالث : أن من الناس من يقول : إن تكون الإنسان إنما ينعقد من المني والدم في الرحم في مدة معينة وبحسب انتقالاته من حالات إلى حالات ، فكأنه قيل إنه يمتنع أن يكون كل إنسان عن إنسان آخر ؛ لأن التسلسل محال ، ووقوع الحادث في الأزل محال ، فلا بد من الاعتراف بإنسان هو أول الناس ، فحينئذ يكون حدوث ذلك الإنسان لا بواسطة المني والدم ، بل بإيجاد الله تعالى ابتداء ، فعبر الله تعالى عن هذا المعنى بقوله ( كن فيكون ) .