( أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) .
ثم قال تعالى : ( أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) .
إشارة لمن سبق ذكرهم من المنافقين أبعدهم الله عنه أو عن الخير فأصمهم فلا يسمعون الكلام المستبين وأعماهم فلا يتبعون الصراط المستقيم ، وفيه ترتيب حسن ، وذلك من حيث إنهم استمعوا الكلام العلمي ولم يفهموه ، فهم بالنسبة إليه صم أصمهم الله وعند الأمر بالعمل تركوه وعللوا بكونه إفسادا وقطعا للرحم وهم كانوا يتعاطونه عند النهي عنه فلم يروا حالهم عليه وتركوا اتباع النبي الذي يأمرهم بالإصلاح وصلة الأرحام ، ولو دعاهم من يأمر بالإفساد وقطيعة الرحم لاتبعوه فهم عمي أعماهم الله ، وفيه لطيفة : وهي أن الله تعالى قال : أصمهم ولم يقل : أصم آذانهم ، وأعمى أبصارهم ) ولم يقل : أعماهم ، وذلك لأن العين آلة الرؤية ، ولو أصابها آفة لا يحصل الإبصار ، والأذن لو أصابها آفة من قطع أو قلع تسمع الكلام ، لأن الأذن خلقت وخلق فيها تعاريج ليكثر فيها الهواء المتموج ولا يقرع الصماخ بعنف فيؤذي كما يؤذي الصوت القوي فقال : ( أصمهم ) من غير ذكر الأذن ، وقال : ( وقال : ( وأعمى أبصارهم ) مع ذكر العين لأن البصر ههنا بمعنى العين ، ولهذا جمعه بالأبصار ، ولو كان مصدرا لما جمع فلم يذكر الأذن إذ لا مدخل لها في الإصمام ، والعين لها مدخل في الرؤية بل هي الكل ، ويدل عليه أن الآفة في غير هذه المواضع لما أضافها إلى الأذن سماها وقرا ، كما قال تعالى : ( وفي آذاننا وقر ) [فصلت : 5] وقال : ( كأن في أذنيه وقرا ) [لقمان : 7] والوقر دون الصم وكذلك الطرش .