ثم قال تعالى : ( والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج ) .
إشارة إلى دليل آخر ، ووجه دلالة الأرض هو أنهم قالوا : الإنسان إذا مات وفارقته القوة الغاذية والنامية لا تعود إليه تلك القوة ، فنقول : الأرض أشد جمودا وأكثر خمودا ، والله تعالى ينبت فيها أنواع النبات وينمو ويزيد ، فكذلك الإنسان تعود إليه الحياة ، وذكر في الأرض ثلاثة أمور كما ذكر في السماء ثلاثة أمور ، في الأرض : المد ، وإلقاء الرواسي ، والإنبات فيها . وفي السماء : البناء ، والتزيين ، وسد الفروج ، وكل واحد في مقابلة واحد فالمد في مقابلة البناء ؛ لأن المد وضع ، والبناء رفع ، والرواسي في الأرض ثابتة ، والكواكب في السماء مركوزة مزينة لها ، والإنبات في الأرض شقها كما قال تعالى : ( أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا ) [ عبس : 26 ] وهو على خلاف سد الفروج وإعدامها ، وإذا علمت هذا ففي الإنسان أشياء موضوعة وأشياء مرفوعة وأشياء ثابتة كالأنف والأذن ، وأشياء متحركة كالمقلة واللسان ، وأشياء مسدودة الفروج كدور الرأس والأغشية المنسوجة نسجا ضعيفا كالصفاق ، وأشياء لها فروج وشقوق كالمناخر والصماخ والفم وغيرها ، فالقادر على الأضداد في هذا المهاد في السبع الشداد ، غير عاجز عن خلق نظيرها في هذه الأجساد . [ و ] تفسير الرواسي قد ذكرناه في سورة لقمان . والبهيج : الحسن .
وقوله تعالى : ( تبصرة وذكرى لكل عبد منيب ) .
يحتمل أن يكون الأمران عائدين إلى الأمرين المذكورين وهما السماء والأرض ، على أن تبصرة ، خلق السماء ذكرى ، ويدل عليه أن السماء زينتها مستمرة غير مستجدة في كل عام ، فهي كالشيء المرئي على مرور الزمان ، وأما الأرض فهي كل سنة تأخذ زخرفها ، فذكر السماء تبصرة والأرض تذكرة ، ويحتمل أن يكون كل واحد من الأمرين موجودا في كل واحد من الأمرين ، فالسماء تبصرة والأرض كذلك ، والفرق بين التبصرة والتذكرة هو أن فيها آيات مستمرة منصوبة في مقابلة البصائر ، وآيات متجددة مذكرة عند التناسي . وقوله : ( وخلق الأرض لكل عبد منيب ) أي راجع إلى التفكر والتذكر والنظر في الدلائل .