( أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى )
ثم قال تعالى : أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى ) وفيه مسائل : (
[ ص: 22 ] المسألة الأولى : قوله : ( أرأيت ) خطاب لمن ؟ فيه وجهان :
الأول : أنه خطاب للنبي عليه السلام ، والدليل عليه أن الأول وهو قوله : ( أرأيت الذي ينهى عبدا ) للنبي صلى الله عليه وسلم .
والثالث وهو قوله : ( أرأيت إن كذب وتولى ) للنبي عليه الصلاة والسلام فلو جعلنا الوسط لغير النبي لخرج الكلام عن النظم الحسن ، يقول الله تعالى يا محمد : أرأيت إن كان هذا الكافر ، ولم يقل : لو كان إشارة إلى المستقبل كأنه يقول : أرأيت إن صار على الهدى ، واشتغل بأمر نفسه ، أما كان يليق به ذلك إذ هو رجل عاقل ذو ثروة ، فلو اختار الدين والهدى والأمر بالتقوى ، أما كان ذلك خيرا له من الكفر بالله والنهي عن خدمته وطاعته ، كأنه تعالى يقول : تلهف عليه كيف فوت على نفسه المراتب العالية وقنع بالمراتب الدنيئة .
القول الثاني : أنه خطاب للكافر ، لأن الله تعالى كالمشاهد للظالم والمظلوم ، وكالمولى الذي قام بين يديه عبدان ، وكالحاكم الذي حضر عنده المدعي ، والمدعى عليه فخاطب هذا مرة ، وهذا مرة . فلما قال للنبي : ( أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ) التفت بعد ذلك إلى الكافر ، فقال : أرأيت يا كافر إن كانت صلاته هدى ودعاؤه إلى الله أمرا بالتقوى أتنهاه مع ذلك .
المسألة الثانية : ههنا سؤال وهو أن المذكور في أول الآية . هو الصلاة وهو قوله : ( أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ) والمذكور ههنا أمران ، وهو قوله : ( أرأيت إن كان على الهدى ) في فعل الصلاة ، فلم ضم إليه شيئا ثانيا ، وهو قوله : ( أو أمر بالتقوى ) ؟ .
جوابه : من وجوه :
أحدها : أن الذي شق على أبي جهل من أفعال الرسول عليه الصلاة والسلام هو هذان الأمران الصلاة والدعاء إلى الله ، فلا جرم ذكرهما ههنا .
وثانيها : أن النبي عليه الصلاة والسلام كان لا يوجد إلا في أحد أمرين ، إما في إصلاح نفسه ، وذلك بفعل الصلاة أو في إصلاح غيره ، وذلك بالأمر بالتقوى .
وثالثها : أنه عليه السلام كان في صلاته على الهدى وآمرا بالتقوى ، لأن كل من رآه وهو في الصلاة كان يرق قلبه . فيميل إلى الإيمان ، فكان فعل الصلاة دعوة بلسان الفعل ، وهو أقوى من الدعوة بلسان القول .