المسألة السابعة : قال هذه الليلة هل هي باقية ؟ الخليل : من قال إن فضلها لنزول القرآن فيها يقول انقطعت وكانت مرة ، والجمهور على أنها باقية ، وعلى هذا هل هي مختصة برمضان أم لا ؟ روي عن ابن مسعود أنه قال : من يقم الحول يصبها ، وفسرها عكرمة بليلة البراءة في قوله : ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) [الدخان : 3] والجمهور على أنها مختصة برمضان واحتجوا عليه بقوله تعالى : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) وقال : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) فوجب أن تكون ليلة القدر في رمضان لئلا يلزم التناقض ، وعلى هذا القول اختلفوا في تعيينها على ثمانية أقوال ، فقال ابن رزين : ليلة القدر هي الليلة الأولى من رمضان ، وقال : السابعة عشرة ، وعن الحسن البصري أنس مرفوعا : التاسعة عشرة ، وقال : الحادية والعشرون . وعن محمد بن إسحاق الثالثة والعشرون ، وقال ابن عباس ابن مسعود : الرابعة والعشرون ، وقال : الخامسة والعشرون ، وقال أبو ذر الغفاري وجماعة من الصحابة : السابعة والعشرون ، وقال بعضهم : التاسعة والعشرون . أما الذين قالوا : إنها الليلة الأولى [فقد] قالوا : روى أبي بن كعب وهب أن إبراهيم أنزلت في الليلة الأولى من رمضان والتوراة لست ليال مضين من رمضان بعد صحف صحف إبراهيم بسبعمائة سنة ، داود لثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان بعد التوراة بخمسمائة عام وأنزل الزبور على عيسى لثمان عشرة خلت من رمضان بعد الزبور بستمائة عام وعشرين عاما ، وكان القرآن ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم في كل ليلة قدر من السنة إلى السنة كان وأنزل الإنجيل على جبريل عليه السلام ينزل به من بيت العزة من السماء السابعة إلى سماء الدنيا ، ، فلما كان هذا الشهر هو الشهر الذي حصلت فيه هذه الخيرات العظيمة ، لا جرم كان في غاية الشرف والقدر والرتبة فكانت الليلة الأولى منه ليلة القدر ، وأما فأنزل الله تعالى القرآن في عشرين شهرا في عشرين سنة فإنه قال : هي ليلة سبعة عشر ، لأنها ليلة كانت صبيحتها وقعة الحسن البصري بدر ، وأما التاسعة [ ص: 30 ] عشرة فقد روى أنس فيها خبرا ، وأما ليلة السابع والعشرين فقد مال إليه لحديث الماء والطين ، والذي عليه المعظم أنها ليلة السابع والعشرين ، وذكروا فيه أمارات ضعيفة : الشافعي
أحدها : حديث أن السورة ثلاثون كلمة ، وقوله : " هي " هي السابعة والعشرون منها . ابن عباس
وثانيها : روي أن عمر سأل الصحابة ثم قال : غص يا غواص فقال لابن عباس : أحضرت أولاد زيد بن ثابت المهاجرين وما أحضرت أولادنا . فقال عمر : لعلك تقول : إن هذا غلام ، ولكن عنده ما ليس عندكم . فقال : أحب الأعداد إلى الله تعالى الوتر وأحب الوتر إليه السبعة ، فذكر السماوات السبع والأرضين السبع والأسبوع ودركات النار وعدد الطواف والأعضاء السبعة ، فدل على أنها السابعة والعشرون . ابن عباس
وثالثها : نقل أيضا عن ، أنه قال : ( ابن عباس ليلة القدر ) تسعة أحرف ، وهو مذكور ثلاث مرات فتكون السابعة والعشرين .
ورابعها : أنه كان غلام ، فقال : يا مولاي إن البحر يعذب ماؤه ليلة من الشهر ، قال : إذا كانت تلك الليلة فأعلمني فإذا هي السابعة والعشرون من رمضان . وأما من قال : إنها الليلة الأخيرة قال : لأنها هي الليلة التي تتم فيها طاعات هذا الشهر ، بل أول رمضان لعثمان بن أبي العاص كآدم وآخره كمحمد ، ولذلك روي في الحديث ، يعتق في آخر رمضان بعدد ما أعتق من أول الشهر ، بل الليلة الأولى كمن ولد له ذكر ، فهي ليلة شكر ، والأخيرة ليلة الفراق ، كمن مات له ولد ، فهي ليلة صبر ، وقد علمت فرق ما بين الصبر والشكر .