( فليعبدوا رب هذا البيت )
قوله تعالى : ( فليعبدوا رب هذا البيت ) اعلم أن الإنعام على قسمين :
أحدهما : دفع الضرر .
والثاني : جلب النفع ، والأول أهم وأقدم ، ولذلك قالوا : دفع الضرر عن النفس واجب أما جلب النفع ( فإنه ) غير واجب ، فلهذا السبب بين تعالى نعمة دفع الضرر في سورة الفيل ونعمة جلب النفع في هذه السورة ، ولما تقرر أن ، لا جرم أتبع ذكر النعمة بطلب العبودية فقال : ( فليعبدوا ) وههنا مسائل : الإنعام لا بد وأن يقابل بالشكر والعبودية
المسألة الأولى : ذكرنا أن ، ثم قال بعضهم : أراد فليوحدوا رب هذا البيت لأنه هو الذي حفظ البيت دون الأوثان ، ولأن التوحيد مفتاح العبادات ، ومنهم من قال : المراد العبادات المتعلقة بأعمال الجوارح ثم ذكر كل قسم من أقسام العبادات ، والأولى حمله على الكل لأن اللفظ متناول للكل إلا ما أخرجه الدليل ، وفي الآية وجه آخر ، وهو أن يكون معنى فليعبدوا أي فليتركوا رحلة الشتاء والصيف وليشتغلوا بعبادة رب هذا البيت فإنه يطعمهم من جوع ويؤمنهم من خوف ، ولعل تخصيص لفظ الرب تقرير لما قالوه لأبرهة : إن للبيت ربا سيحفظه ، ولم يعولوا في ذلك على الأصنام فلزمهم لإقرارهم أن لا يعبدوا سواه ، كأنه يقول : لما عولتم في الحفظ علي فاصرفوا العبادة والخدمة إلي . العبادة هي التذلل والخضوع للمعبود على غاية ما يكون
المسألة الثانية : الإشارة إلى البيت في هذا النظم تفيد التعظيم فإنه سبحانه تارة أضاف العبد إلى نفسه فيقول : يا عبادي ، وتارة يضيف نفسه إلى العبد فيقول : وإلهكم ، كذا في البيت ( تارة ) يضيف نفسه إلى البيت وهو قوله : ( فليعبدوا رب هذا البيت ) وتارة يضيف البيت إلى نفسه فيقول : ( طهرا بيتي ) [ البقرة : 125 ]