إن كتاب آدم عليه السلام كان كلمات على ما قال تعالى : ( فتلقى آدم من ربه كلمات ) [ البقرة : 37 ] وكتاب إبراهيم أيضا كان كلمات على ما قال : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات ) [ البقرة : 124 ] وكتاب موسى كان صحفا ، كما قال : ( صحف إبراهيم وموسى ) [ الأعلى : 19 ] أما كتاب محمد عليه السلام ، فإنه هو الكتاب المهيمن على الكل ، قال : ( ومهيمنا عليه ) [ المائدة : 48 ] وأيضا فإن آدم عليه السلام إنما تحدى بالأسماء المنثورة فقال : ( أنبئوني بأسماء هؤلاء ) [ البقرة : 31 ] ومحمد عليه الصلاة والسلام إنما تحدى بالمنظوم : ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن ) [ الإسراء : 88 ] وأما نوح عليه السلام ، فإن الله أكرمه بأن أمسك سفينته على الماء ، وفعل في محمد صلى الله عليه وسلم ما هو أعظم منه ، روي أن النبي عليه الصلاة والسلام : كان على شط ماء ، ومعه ، فقال : لئن كنت صادقا فادع ذلك الحجر الذي هو في الجانب الآخر فليسبح ولا يغرق ، فأشار الرسول إليه ، فانقلع الحجر الذي أشار إليه من مكانه ، وسبح حتى صار بين يدي الرسول عليه السلام ، وسلم عليه ، وشهد له بالرسالة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يكفيك هذا ؟ قال : حتى يرجع إلى مكانه ، فأمره النبي عليه الصلاة والسلام ، فرجع إلى مكانه عكرمة بن أبي جهل ، وأكرم إبراهيم فجعل النار عليه بردا وسلاما ، وفعل في حق محمد أعظم من ذلك ، عن قال : " محمد بن حاطب كنت طفلا فانصب القدر علي من النار ، فاحترق جلدي كله فحملتني أمي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالت : هذا ابن حاطب احترق كما ترى فتفل [ ص: 118 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم على جلدي ومسح بيده على المحترق منه ، وقال : أذهب الباس ، رب الناس ، فصرت صحيحا لا بأس بي " وأكرم موسى ففلق له البحر في الأرض ، وأكرم محمدا ففلق له القمر في السماء ، ثم انظر إلى فرق ما بين السماء والأرض ، وفجر له الماء من الحجر ، وفجر لمحمد أصابعه عيونا ، وأكرم موسى بأن ظلل عليه الغمام ، وكذا أكرم محمدا بذلك فكان الغمام يظلله ، وأكرم موسى باليد البيضاء ، وأكرم محمدا بأعظم من ذلك وهو القرآن العظيم ، الذي وصل نوره إلى الشرق والغرب ، وقلب الله عصا موسى ثعبانا ، ولما أراد أبو جهل أن يرميه بالحجر رأى على كتفيه ثعبانين ، فانصرف مرعوبا ، وسبحت الجبال مع داود وسبحت الأحجار في يده ويد أصحابه ، وكان داود إذا مسك الحديد لان ، وكان هو لما مسح الشاة الجرباء درت ، وأكرم داود بالطير المحشورة ومحمدا بالبراق ، وأكرم عيسى عليه السلام بإحياء الموتى ، وأكرمه بجنس ذلك حين أضافه اليهود بالشاة المسمومة ، فلما وضع اللقمة في فمه أخبرته ، وأبرأ الأكمه والأبرص ، روي أن امرأة معاذ بن عفراء أتته وكانت برصاء ، وشكت ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فمسح عليها رسول الله بغصن فأذهب الله البرص ، وحين سقطت حدقة الرجل يوم أحد فعرفها وجاء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فردها إلى مكانها ، وكان عيسى يعرف ما يخفيه الناس في بيوتهم ، والرسول عرف ما أخفاه عمه مع أم الفضل ، فأخبره فأسلم العباس لذلك ، وأما سليمان فإن الله تعالى رد له الشمس مرة ، وفعل ذلك أيضا للرسول حين نام ورأسه في حجر علي فانتبه وقد غربت الشمس ، فردها حتى صلى ، وردها مرة أخرى لعلي فصلى العصر في وقته ، وعلم سليمان منطق الطير ، وفعل ذلك في حق محمد ، روي ، وكلام الذئب معه مشهور ، وأكرم أن طيرا فجع بولده فجعل يرفرف على رأسه ويكلمه فقال : أيكم فجع هذه بولدها ؟ فقال رجل : أنا ، فقال : اردد إليها ولدها سليمان بمسيره غدوة شهرا وأكرمه بالمسير إلى بيت المقدس في ساعة ، وكان حماره يعفور يرسله إلى من يريد فيجيء به ، وقد شكوا إليه من ناقة أنها أغيلت ، وأنهم لا يقدرون عليها فذهب إليها ، فلما رأته خضعت له ، وأرسل معاذا إلى بعض النواحي ، فلما وصل إلى المفازة ، فإذا أسد جاثم فهاله ذلك ولم يستجرئ أن يرجع ، فتقدم وقال : إني رسول رسول الله فتبصبص ، وكما انقاد الجن لسليمان ، فكذلك انقادوا لمحمد عليه الصلاة والسلام ، وحين جاء الأعرابي بالضب ، وقال : لا أؤمن بك حتى يؤمن بك هذا الضب ، فتكلم الضب معترفا برسالته ، وحين كفل الظبية حين أرسلها الأعرابي رجعت تعدو حتى أخرجته من الكفالة وحنت الحناية لفراقه ، وحين لسعت الحية عقب الصديق في الغار ، قالت : كنت مشتاقة إليه منذ كذا سنين فلم حجبتني عنه ؟ .
وأطعم الخلق الكثير ، من الطعام القليل ، فقال : ( ومعجزاته أكثر من أن تحصى وتعد ، فلهذا قدمه الله على الذين اصطفاهم وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح ) [ الأحزاب : 7 ] فلما كانت رسالته كذلك جاز أن يسميها الله تعالى كوثرا ، فقال : ( إنا أعطيناك الكوثر ) .