المسألة الرابعة : اللام في قوله : ( لربك    ) فيها فوائد : 
الفائدة الأولى : هذه اللام للصلاة كالروح للبدن ، فكما أن البدن من الفرق إلى القدم ، إنما يكون حسنا ممدوحا إذا كان فيه روح أما إذا كان ميتا فيكون مرميا ، كذا الصلاة والركوع والسجود ، وإن حسنت في الصورة وطالت ، لو لم يكن فيها لام لربك ، كانت ميتة مرمية ، والمراد من قوله تعالى لموسى    : ( وأقم الصلاة لذكري    ) [ طه : 14 ] وقيل : إنه كانت صلاتهم ونحرهم للصنم ، فقيل له : لتكن صلاتك ونحرك لله . 
الفائدة الثانية : كأنه تعالى يقول : ذكر في السورة المتقدمة أنهم كانوا يصلون للمراءاة ، فصل أنت لا للرياء لكن على سبيل الإخلاص . 
المسألة الخامسة : الفاء في قوله : ( فصل    ) تفيد سببية أمرين : 
أحدهما : سببية العبادة كأنه قيل : تكثير الإنعام عليك يوجب عليك الاشتغال بالعبودية    . 
والثاني : سببية ترك المبالاة كأنهم لما قالوا له : إنك أبتر فقيل له : كما أنعمنا عليك بهذه النعم الكثيرة ، فاشتغل أنت بطاعتك ، ولا تبال بقولهم وهذيانهم . 
واعلم أنه لما كانت النعم الكثيرة محبوبة ولازم المحبوب محبوب ، والفاء في قوله : ( فصل    ) اقتضت كون الصلاة من لوازم تلك النعم ، لا جرم صارت الصلاة أحب الأشياء للنبي عليه الصلاة والسلام  فقال : " وجعلت قرة عيني في الصلاة   " ولقد صلى حتى تورمت قدماه ، فقيل له : أوليس قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال : " أفلا أكون عبدا شكورا   " فقوله : " أفلا أكون عبدا شكورا   " إشارة إلى أنه يجب علي الاشتغال بالطاعة بمقتضى الفاء في قوله : ( فصل ) .   [ ص: 123 ] المسألة السادسة : كان الأليق في الظاهر أن يقول : إنا أعطيناك الكوثر ، فصل لنا وانحر ، لكنه ترك ذلك إلى قوله : ( فصل لربك    ) لفوائد : 
إحداها : أن وروده على طريق الالتفات من أمهات أبواب الفصاحة . 
وثانيها : أن صرف الكلام من المضمر إلى المظهر يوجب نوع عظمة ومهابة ، ومنه قول الخلفاء لمن يخاطبونهم : يأمرك أمير المؤمنين ، وينهاك أمير المؤمنين . 
وثالثها : أن قوله : ( إنا أعطيناك    ) ليس في صريح لفظه أن هذا القائل هو الله أو غيره ، وأيضا كلمة : " إنا " تحتمل الجمع كما تحتمل الواحد المعظم نفسه ، فلو قال : صل لنا ، لنفي ذلك الاحتمال وهو أنه ما كان يعرف أن هذه الصلاة لله وحده أم له ولغيره على سبيل التشريك ، فلهذا ترك اللفظ ، وقال : ( فصل لربك    ) ليكون ذلك إزالة لذلك الاحتمال وتصريحا بالتوحيد في الطاعة والعمل لله تعالى . 
المسألة السابعة : قوله : ( فصل لربك    ) أبلغ من قوله : فصل لله ؛ لأن لفظ الرب يفيد التربية المتقدمة المشار إليها بقوله : ( إنا أعطيناك الكوثر    ) ويفيد الوعد الجميل في المستقبل أنه يربيه ولا يتركه . 
المسألة الثامنة : في الآية سؤالان : 
أحدهما : أن المذكور عقب الصلاة هو الزكاة ، فلم كان المذكور ههنا هو النحر ؟ . 
والثاني : لم لم يقل : ضح حتى يشمل جميع أنواع الضحايا ؟ 
والجواب : عن الأول ، أما على قول من قال : المراد من الصلاة صلاة العيد ، فالأمر ظاهر فيه ، وأما على قول من حمله على مطلق الصلاة ، فلوجوه : 
أحدها : أن المشركين كانت صلواتهم وقرابينهم للأوثان  ، فقيل له : اجعلهما لله . 
وثانيها : أن من الناس من قال : إنه عليه السلام ما كان يدخل في ملكه شيء من الدنيا ، بل كان يملك بقدر الحاجة ، فلا جرم لم تجب الزكاة عليه ، أما النحر فقد كان واجبا عليه لقوله : " ثلاث كتبت علي ولم تكتب على أمتي : الضحى والأضحى والوتر   " . 
وثالثها : أن أعز الأموال عند العرب ، هو الإبل فأمره بنحرها وصرفها إلى طاعة الله تعالى تنبيها على قطع العلائق النفسانية عن لذات الدنيا وطيباتها  ، روي أنه عليه السلام أهدى مائة بدنة فيها جمل لأبي جهل  في أنفه برة من ذهب فنحر هو عليه السلام حتى أعيا ، ثم أمر عليا  عليه السلام بذلك ، وكانت النوق يزدحمن على رسول الله ، فلما أخذ علي  السكين تباعدت منه   . 
والجواب عن الثاني : أن الصلاة أعظم العبادات البدنية  فقرن بها أعظم أنواع الضحايا ، وأيضا فيه إشارة إلى أنك بعد فقرك تصير بحيث تنحر المائة من الإبل . 
المسألة التاسعة : دلت الآية على وجوب تقديم الصلاة على النحر  ، لا لأن الواو توجب الترتيب ، بل لقوله عليه السلام : ابدءوا بما بدأ الله به   . 
المسألة العاشرة : السورة مكية في أصح الأقوال ، وكان الأمر بالنحر جاريا مجرى البشارة بحصول الدولة ، وزوال الفقر والخوف . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					