( ولم يكن له كفوا أحد ) .
قوله سبحانه : ( ولم يكن له كفوا أحد ) فيه سؤالان :
السؤال الأول : الكلام العربي الفصيح أن يؤخر الظرف الذي هو لغو غير مستقر ولا يقدم ، وقد نص على ذلك في كتابه ، فما باله ورد مقدما في أفصح الكلام ؟ والجواب : هذا الكلام إنما سيق لنفي المكافأة عن ذات الله ، واللفظ الدال على هذا المعنى هو هذا الظرف ، وتقديم الأهم أولى ، فلهذا السبب كان هذا الظرف مستحقا للتقديم . سيبويه
السؤال الثاني : كيف القراءة في هذه الآية ؟
الجواب : قرئ : ( كفوا ) بضم الكاف والفاء وبضم الكاف وكسرها مع سكون الفاء ، والأصل هو الضم ثم يخفف مثل طنب وطنب وعنق وعنق ، وقال أبو عبيدة : يقال كفو وكفء وكفاء كله بمعنى واحد وهو المثل ، وللمفسرين فيه أقاويل :
أحدها : قال كعب وعطاء : لم يكن له مثل ولا عديل ، ومنه المكافأة في الجزاء لأنه يعطيه ما يساوي ما أعطاه .
وثانيها : قال : لم يكن له صاحبة كأنه سبحانه وتعالى قال : لم يكن أحد كفؤا له فيصاهره ، ردا على من حكى الله عنه قوله : ( مجاهد وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ) [ الصافات : 158 ] فتفسير هذه الآية كالتأكيد لقوله تعالى : ( لم يلد ) .
وثالثها : وهو التحقيق أنه تعالى بين لما بين أنه هو المصمود إليه في قضاء الحوائج ونفي الوسائط من البين بقوله : ( لم يلد ولم يولد ) على ما بيناه ، فحينئذ ختم السورة بأن شيئا من الموجودات يمتنع أن يكون مساويا له في شيء من ، أما الوجود فلا مساواة فيه لأن وجوده من مقتضيات حقيقته فإن حقيقته غير قابلة للعدم من حيث هي هي ، وأما سائر الحقائق ، فإنها قابلة للعدم ، وأما العلم فلا مساواة فيه ؛ لأن علمه ليس بضروري ولا باستدلالي ولا مستفاد من الحس ولا من الرؤية ولا يكون في معرض الغلط والزلل وعلوم المحدثات كذلك ، وأما القدرة فلا مساواة فيها وكذا الرحمة والجود والعدل والفضل والإحسان ، واعلم أن [ ص: 170 ] هذه السورة أربع آيات ، وفي ترتيبها أنواع من الفوائد : صفات الجلال والعظمة
الفائدة الأولى : أن أول السورة يدل على أنه سبحانه واحد ، والصمد على أنه كريم رحيم ؛ لأنه لا يصمد إليه حتى يكون محسنا و ( لم يلد ولم يولد ) على أنه غني على الإطلاق ومنزه عن التغيرات فلا يبخل بشيء أصلا ، ولا يكون جوده لأجل جر نفع أو دفع ضر ، بل بمحض الإحسان ، وقوله : ( ولم يكن له كفوا أحد ) إشارة إلى نفي ما لا يجوز عليه من الصفات .
الفائدة الثانية : نفى الله تعالى عن ذاته أنواع الكثرة بقوله : ( أحد ) ونفى النقص والمغلوبية بلفظ الصمد ، ونفى المعلولية والعلية ب لم يلد ولم يولد ، ونفى الأضداد والأنداد بقوله : ( ولم يكن له كفوا أحد ) .
الفائدة الثالثة : قوله : ( أحد ) يبطل مذهب الثنوية القائلين بالنور والظلمة ، والنصارى في التثليث ، والصابئين في الأفلاك والنجوم ، والآية الثانية تبطل مذهب من أثبت خالقا سوى الله ؛ لأنه لو وجد خالق آخر لما كان الحق مصمودا إليه في طلب جميع الحاجات ، والثالثة تبطل مذهب اليهود في عزير ، والنصارى في المسيح ، والمشركين في أن الملائكة بنات الله ، والآية الرابعة تبطل مذهب المشركين حيث جعلوا الأصنام أكفاء له وشركاء .
الفائدة الرابعة : أن هذه السورة في حق الله مثل سورة الكوثر في حق الرسول ، لكن الطعن في حق الرسول كان بسبب أنهم قالوا : إنه أبتر لا ولد له ، وههنا الطعن بسبب أنهم أثبتوا لله ولدا ، وذلك لأن عدم الولد في حق الإنسان عيب ، ، فلهذا السبب قال ههنا : ( قل ) حتى تكون ذابا عني ، وفي سورة : ( ووجود الولد عيب في حق الله تعالى إنا أعطيناك ) أنا أقول ذلك الكلام حتى أكون أنا ذابا عنك ، والله سبحانه وتعالى أعلم .