[ ص: 173 ] ( سورة الفلق ) .
خمس آيات ، مدنية .
بسم الله الرحمن الرحيم ( قل أعوذ برب الفلق ) .
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى : ( قل أعوذ برب الفلق ) فيه مسائل :
المسألة الأولى : في قوله : ( قل ) فوائد :
أحدها : أنه سبحانه لما أمر بقراءة سورة الإخلاص تنزيها له عما لا يليق به في ذاته وصفاته ، وكان ذلك من أعظم الطاعات ، فكأن العبد قال : إلهنا هذه الطاعة عظيمة جدا لا أثق بنفسي في الوفاء بها ، فأجاب بأن قال : ( قل أعوذ برب الفلق ) أي استعذ بالله ، والتجئ إليه حتى يوفقك لهذه الطاعة على أكمل الوجوه .
وثانيها : أن الكفار لما سألوا الرسول عن نسب الله وصفته ، فكأن الرسول عليه السلام قال : كيف أنجو من هؤلاء الجهال الذين تجاسروا وقالوا فيك ما لا يليق بك ؟ فقال الله : ( قل أعوذ برب الفلق ) أي استعذ بي حتى أصونك عن شرهم .
وثالثها : كأنه تعالى يقول : من التجأ إلى بيتي شرفته وجعلته آمنا فقلت : ومن دخله كان آمنا ، فالتجئ أنت أيضا إلي حتى أجعلك آمنا : ف ( قل أعوذ برب الفلق ) .
المسألة الثانية : اختلفوا في أنه هل يجوز أم لا ؟ منهم قال : إنه يجوز واحتجوا بوجوه : الاستعانة بالرقى والعوذ
أحدها : ما جبريل عليه السلام ، فقال : بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ، والله يشفيك . روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتكى فرقاه
وثانيها : قال : ابن عباس . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا من الأوجاع كلها والحمى هذا الدعاء : بسم الله الكريم ، أعوذ بالله العظيم من شر كل عرق نعار ، ومن شر حر النار
وثالثها : قال عليه السلام : . من دخل على مريض لم يحضره أجله ، فقال : أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك سبع مرات شفي
ورابعها : عن علي عليه السلام قال : . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل على مريض قال : أذهب [ ص: 174 ] الباس رب الناس ، اشف أنت الشافي ، لا شافي إلا أنت
وخامسها : عن قال : ابن عباس الحسن والحسين يقول : أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة ، ويقول : هكذا كان أبي إبراهيم يعوذ ابنيه إسماعيل وإسحاق . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ
وسادسها : : قدمت على رسول الله وبي وجع قد كاد يبطلني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجعل يدك اليمنى عليه ، وقل بسم الله أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد سبع مرات ، ففعلت ذلك فشفاني الله عثمان بن أبي العاص الثقفي . قال
وسابعها : . روي أنه عليه السلام كان إذا سافر فنزل منزلا يقول : يا أرض ، ربي وربك الله أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك وشر ما يخرج منك ، وشر ما يدب عليك ، وأعوذ بالله من أسد وأسود وحية وعقرب ، ومن شر ساكني البلد ووالد وما ولد
وثامنها : قالت : عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى شيئا من جسده قرأ : ( قل هو الله أحد ) [ الإخلاص : 1 ] والمعوذتين في كفه اليمنى ومسح بها المكان الذي يشتكي .
ومن الناس من منع من الرقى لما روي عن جابر ، قال . نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى ، وقال عليه السلام : إن لله عبادا لا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون
وقال عليه السلام : . وأجيب عنه بأنه يحتمل أن يكون النهي عن الرقى المجهولة التي لا تعرف حقائقها ، فأما ما كان له أصل موثوق ، فلا نهي عنه ، واختلفوا في التعليق ، فروي أنه عليه السلام قال : لم يتوكل على الله من اكتوى واسترقى ، وعن من علق شيئا وكل إليه ابن مسعود : أنه رأى على أم ولده تميمة مربوطة بعضدها ، فجذبها جذبا عنيفا فقطعها .
ومنهم من جوزه ، سئل عليه السلام عن التعويذ يعلق على الصبيان فرخص فيه . الباقر
واختلفوا في النفث أيضا ، فروي عن أنها قالت : عائشة . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفث على نفسه إذا اشتكى بالمعوذات ويمسح بيده ، فلما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه الذي توفي فيه طفقت أنفث عليه بالمعوذات التي كان ينفث بها على نفسه
وعنه عليه السلام : . أنه كان إذا أخذ مضجعه نفث في يديه وقرأ فيهما بالمعوذات ، ثم مسح بهما جسده
ومنهم من أنكر النفث ، قال عكرمة : لا ينبغي للراقي أن ينفث ولا يمسح ولا يعقد . وعن إبراهيم قال : كانوا يكرهون ، وقال بعضهم : دخلت على النفث في الرقى الضحاك وهو وجيع ، فقلت : ألا أعوذك يا أبا محمد ؟ قال : بلى ولكن لا تنفث ، فعوذته بالمعوذتين . قال الحليمي : الذي روي عن عكرمة أنه ينبغي للراقي أن لا ينفث ولا يمسح ولا يعقد ، فكأنه ذهب فيه إلى أن الله تعالى جعل النفث في العقد مما يستعاذ منه ، فوجب أن يكون منهيا عنه إلا أن هذا ضعيف ؛ لأن النفث في العقد إنما يكون مذموما إذا كان سحرا مضرا بالأرواح والأبدان ، فأما إذا كان هذا النفث لإصلاح الأرواح والأبدان وجب أن لا يكون حراما .