[ ص: 302 ] قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=271إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير
ذهب جمهور المفسرين إلى أن هذه الآية في صدقة التطوع ؛ لأن الإخفاء فيها أفضل من الإظهار ، وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=30517سائر العبادات الإخفاء أفضل في تطوعها لانتفاء الرياء عنها ، وليس كذلك الواجبات . قال
الحسن : إظهار الزكاة أحسن ، وإخفاء التطوع أفضل ؛ لأنه أدل على أنه يراد الله عز وجل به وحده . قال
ابن عباس : جعل الله صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها يقال بسبعين ضعفا ، وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها يقال بخمسة وعشرين ضعفا . قال : وكذلك جميع الفرائض والنوافل في الأشياء كلها .
قلت : مثل هذا لا يقال من جهة الرأي وإنما هو توقيف ، وفي صحيح
مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831699أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة وذلك أن الفرائض لا يدخلها رياء والنوافل عرضة لذلك . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن
عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831700إن الذي يجهر بالقرآن كالذي يجهر بالصدقة والذي يسر بالقرآن كالذي يسر بالصدقة . وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=837890صدقة السر تطفئ غضب الرب .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : وليس في
nindex.php?page=treesubj&link=30517_26093تفضيل صدقة العلانية على السر ، ولا
nindex.php?page=treesubj&link=26093_30517تفضيل صدقة السر على العلانية حديث صحيح ولكنه الإجماع الثابت ، فأما صدقة النفل فالقرآن ورد مصرحا ، بأنها في السر أفضل منها في الجهر ، بيد أن علماءنا قالوا : إن هذا على الغالب مخرجه ، والتحقيق فيه أن الحال في الصدقة تختلف بحال المعطي لها والمعطى إياها والناس الشاهدين لها . أما المعطي فله فيها فائدة إظهار السنة وثواب القدوة .
قلت : هذا لمن قويت حاله وحسنت نيته وأمن على نفسه الرياء ، وأما من ضعف عن هذه المرتبة فالسر له أفضل .
[ ص: 303 ] وأما المعطى إياها فإن السر له أسلم من احتقار الناس له ، أو نسبته إلى أنه أخذها مع الغنى عنها وترك التعفف ، وأما حال الناس فالسر عنهم أفضل من العلانية لهم ، من جهة أنهم ربما طعنوا على المعطي لها بالرياء وعلى الآخذ لها بالاستغناء ، ولهم فيها تحريك القلوب إلى الصدقة ، لكن هذا اليوم قليل .
وقال
يزيد بن أبي حبيب : إنما نزلت هذه الآية في الصدقة على
اليهود والنصارى ، فكان يأمر بقسم الزكاة في السر . قال
ابن عطية : وهذا مردود ، لا سيما عند السلف الصالح ، فقد قال
الطبري : أجمع الناس على أن إظهار الواجب أفضل .
قلت : ذكر
الكيا الطبري أن في هذه الآية دلالة على قول إخفاء الصدقات مطلقا أولى ، وأنها حق الفقير وأنه يجوز لرب المال تفريقها بنفسه ، على ما هو أحد قولي
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وعلى القول الآخر ذكروا أن المراد بالصدقات هاهنا التطوع دون الفرض الذي إظهاره أولى لئلا يلحقه تهمة ، ولأجل ذلك قيل :
nindex.php?page=treesubj&link=28184صلاة النفل فرادى أفضل ، والجماعة في الفرض أبعد عن التهمة . وقال
المهدوي : المراد بالآية فرض الزكاة وما تطوع به ، فكان الإخفاء أفضل في مدة النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ساءت ظنون الناس بعد ذلك ، فاستحسن العلماء إظهار الفرائض لئلا يظن بأحد المنع . قال
ابن عطية : وهذا القول مخالف للآثار ، ويشبه في زماننا أن يحسن
nindex.php?page=treesubj&link=30517التستر بصدقة الفرض ، فقد كثر المانع لها وصار إخراجها عرضة للرياء . وقال
ابن خويزمنداد : وقد يجوز أن يراد بالآية الواجبات من الزكاة والتطوع ؛ لأنه ذكر الإخفاء ، ومدحه والإظهار ومدحه ، فيجوز أن يتوجه إليهما جميعا . وقال
النقاش : إن هذه الآية نسخها قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=274الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية الآية .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=271فنعما هي ثناء على إبداء الصدقة ، ثم حكم على أن الإخفاء خير من ذلك . ولذلك قال بعض الحكماء : إذا اصطنعت المعروف فاستره ، وإذا اصطنع إليك فانشره . قال
دعبل الخزاعي :
إذا انتقموا أعلنوا أمرهم وإن أنعموا أنعموا باكتتام
وقال
سهل بن هارون :
خل إذا جئته يوما لتسأله أعطاك ما ملكت كفاه واعتذرا
يخفي صنائعه والله يظهرها إن الجميل إذا أخفيته ظهرا
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=18العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه : لا يتم المعروف إلا بثلاث خصال :
[ ص: 304 ] تعجيله وتصغيره وستره ، فإذا أعجلته هنيته ، وإذا صغرته عظمته ، وإذا سترته أتممته . وقال بعض الشعراء فأحسن :
زاد معروفك عندي عظما أنه عندك مستور حقير
تتناساه كأن لم تأته وهو عند الناس مشهور خطير
واختلف القراء في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=271فنعما هي فقرأ
أبو عمرو ونافع في رواية
ورش وعاصم في رواية
حفص وابن كثير nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=271فنعما هي بكسر النون والعين . وقرأ
أبو عمرو أيضا
ونافع في غير رواية
ورش وعاصم في رواية
أبي بكر والمفضل " فنعما " بكسر النون وسكون العين . وقرأ
الأعمش وابن عامر وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي " فنعما " بفتح النون وكسر العين ، وكلهم سكن الميم . ويجوز في غير القرآن فنعم ما هي . قال
النحاس : ولكنه في السواد متصل فلزم الإدغام . وحكى النحويون في " نعم " أربع لغات : نعم الرجل زيد ، هذا الأصل . ونعم الرجل ، بكسر النون لكسر العين . ونعم الرجل ، بفتح النون وسكون العين ، والأصل نعم حذفت الكسرة لأنها ثقيلة . ونعم الرجل ، وهذا أفصح اللغات ، والأصل فيها نعم . وهي تقع في كل مدح ، فخففت وقلبت كسرة العين على النون وأسكنت العين ، فمن قرأ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=271فنعما هي فله تقديران : أحدهما أن يكون جاء به على لغة من يقول نعم . والتقدير الآخر أن يكون على اللغة الجيدة ، فيكون الأصل نعم ، ثم كسرت العين لالتقاء الساكنين . قال
النحاس : فأما الذي حكي عن
أبي عمرو ونافع من إسكان العين فمحال . حكي عن
محمد بن يزيد أنه قال : أما إسكان العين والميم مشددة فلا يقدر أحد أن ينطق به ، وإنما يروم الجمع بين ساكنين ويحرك ولا يأبه . وقال
أبو علي : من قرأ بسكون العين لم يستقم قوله ؛ لأنه جمع بين ساكنين الأول منهما ليس بحرف مد ولين وإنما يجوز ذلك عند النحويين إذا كان الأول حرف مد ، إذ المد يصير عوضا من الحركة ، وهذا نحو دابة وضوال ونحوه . ولعل
أبا عمرو أخفى الحركة واختلسها كأخذه بالإخفاء في بارئكم - و - يأمركم فظن السامع الإخفاء إسكانا للطف ذلك في السمع وخفائه . قال
أبو علي : وأما من قرأ " نعما " بفتح النون وكسر العين فإنما جاء بالكلمة على أصلها ومنه قول الشاعر :
ما أقلت قدماي إنهم نعم الساعون في الأمر المبر
قال
أبو علي : و " ما " من قوله تعالى : نعما في موضع نصب ، وقوله ( هي ) تفسير للفاعل المضمر قبل الذكر ، والتقدير نعم شيئا إبداؤها ، والإبداء هو المخصوص بالمدح إلا أن
[ ص: 305 ] المضاف حذف وأقيم المضاف إليه مقامه . ويدلك على هذا قوله ( فهو خير لكم ) أي الإخفاء خير . فكما أن الضمير هنا للإخفاء لا للصدقات فكذلك ، أولا الفاعل هو الإبداء وهو الذي اتصل به الضمير ، فحذف الإبداء وأقيم ضمير الصدقات مثله . ( وإن تخفوها ) شرط ، فلذلك حذفت النون . " وتؤتوها " عطف عليه . والجواب " فهو خير لكم " .
" ويكفر " اختلف القراء في قراءته ، فقرأ
أبو عمرو وابن كثير وعاصم في رواية
أبي بكر وقتادة وابن أبي إسحاق " ونكفر " بالنون ورفع الراء . وقرأ
نافع وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي بالنون والجزم في الراء ، وروي مثل ذلك أيضا عن
عاصم . وروى
الحسين بن علي الجعفي عن
الأعمش " يكفر " بنصب الراء . وقرأ
ابن عامر بالياء ورفع الراء ، ورواه
حفص عن
عاصم ، وكذلك روي عن
الحسن ، وروي عنه بالياء والجزم . وقرأ
ابن عباس " وتكفر " بالتاء وكسر الفاء وجزم الراء . وقرأ ،
عكرمة " وتكفر " بالتاء وفتح الفاء وجزم الراء . وحكى
المهدوي عن
ابن هرمز أنه قرأ " وتكفر " بالتاء ورفع الراء . وحكي عن
عكرمة nindex.php?page=showalam&ids=16128وشهر بن حوشب أنهما قرأا بتاء ونصب الراء . فهذه تسع قراءات أبينها " ونكفر " بالنون والرفع . هذا قول
الخليل nindex.php?page=showalam&ids=16076وسيبويه . قال
النحاس : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : والرفع هاهنا الوجه وهو الجيد ؛ لأن الكلام الذي بعد الفاء يجري مجراه في غير الجزاء . وأجاز الجزم بحمله على المعنى ؛ لأن المعنى وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء يكن خيرا لكم ونكفر عنكم . وقال
أبو حاتم : قرأ
الأعمش " يكفر " بالياء دون واو قبلها . قال
النحاس : والذي حكاه
أبو حاتم عن
الأعمش بغير واو جزما يكون على البدل كأنه في موضع الفاء . والذي روي عن
عاصم ( ويكفر ) بالياء والرفع يكون معناه ويكفر الله ، هذا قول
أبي عبيد . وقال
أبو حاتم : معناه يكفر الإعطاء . وقرأ
ابن عباس " وتكفر " يكون معناه وتكفر الصدقات . وبالجملة فما كان من هذه القراءات بالنون فهي نون العظمة ، وما كان منها بالتاء فهي الصدقة فاعلمه ، إلا ما روي عن
عكرمة من فتح الفاء فإن التاء في تلك القراءة إنما هي للسيئات ، وما كان منها بالياء فالله تعالى هو المكفر ، والإعطاء في خفاء مكفر أيضا كما ذكرنا ، وحكاه
مكي . وأما رفع الراء فهو على وجهين : أحدهما أن يكون الفعل خبر ابتداء تقديره ونحن نكفر أو وهي تكفر ، أعني الصدقة ، أو والله يكفر . والثاني القطع والاستئناف لا تكون الواو العاطفة للاشتراك لكن تعطف جملة كلام على جملة . وقد ذكرنا معنى قراءة الجزم . فأما نصب " ونكفر " فضعيف وهو على إضمار أن وجاز على بعد . قال
المهدوي : وهو مشبه بالنصب في جواب الاستفهام ، إذ الجزاء يجب به الشيء لوجوب غيره كالاستفهام . والجزم في الراء أفصح هذه القراءات ؛ لأنها تؤذن بدخول التكفير في الجزاء وكونه مشروطا إن وقع الإخفاء . وأما الرفع فليس فيه هذا المعنى .
قلت : هذا خلاف ما اختاره
الخليل nindex.php?page=showalam&ids=16076وسيبويه . و " من " في قوله من سيئاتكم
[ ص: 306 ] للتبعيض المحض . وحكى
الطبري عن فرقة أنها زائدة . قال
ابن عطية : وذلك منهم خطأ . ( والله بما تعملون خبير ) وعد ووعيد .