الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
[ ص: 479 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( ويكره أن nindex.php?page=treesubj&link=2539يصوم يوم الجمعة وحده ، فإن وصله بيوم قبله أو بيوم بعده لم يكره ; لما روى nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=31741لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله أو يصوم بعده } ) .
( الشرح ) هذا الحديث رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم ، وفي المسألة أحاديث أخر ، من ذلك حديث nindex.php?page=showalam&ids=16984محمد بن عباد قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=19884سألت nindex.php?page=showalam&ids=36جابرا أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة ؟ قال : نعم } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم . وعن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=30124لا تخصوا ليلة الجمعة بصيام من بين سائر الليالي ، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين سائر الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم } رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم . وعن nindex.php?page=showalam&ids=149جويرية بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها { nindex.php?page=hadith&LINKID=3240أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة ، فقال : أصمت أمس ؟ قالت : لا ، قال : أتريدين أن تصومي غدا ؟ قالت : لا ، قال : فأفطري } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري . وعن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=27887كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من غرة كل شهر ثلاثة أيام ، وقلما كان يفطر يوم الجمعة } رواه الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي وغيرهم ، قال الترمذي : " حديث حسن ، قال أصحابنا : يكره nindex.php?page=treesubj&link=2539إفراد يوم الجمعة بالصوم فإن وصله بصوم قبله أو بعده أو وافق عادة له بأن نذر صوم يوم شفاء مريضه ، أو قدوم زيد أبدا ، فوافق الجمعة لم يكره " لحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وغيره مما سبق ، هذا الذي ذكرته من كراهة إفراد يوم الجمعة بالصوم هو الصحيح المشهور ، وبه قطع المصنف والجمهور .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب في المجرد : روى nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني في الجامع الكبير عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه قال : لا أستحب صوم يوم الجمعة لمن كان إذا صامه منعه من الصلاة ما لو كان مفطرا فعله ، هذا نقل القاضي ، وقال [ ص: 480 ] صاحب الشامل : وذكر في جامعه قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : ولا يبين لي أن أنهى عن صوم يوم الجمعة إلا على اختيار لمن كان إذا صامه منعه عن الصلاة التي لو كان مفطرا فعلها . قال صاحب الشامل : وذكر الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد في التعليق أنه يكره صومه مفردا قال : وهذا خلاف ما نقله nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني ، قال : وحمل nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي الأحاديث الواردة في النهي على من كان الصوم يضعفه ويمنعه عن الطاعة . هذا كلام صاحب الشامل ، ونقل nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي هذا الذي قاله صاحب الشامل مختصرا ، ولم يذكر عنه غيره ، وقد قال صاحب البيان : في كراهة إفراده بالصوم وجهان ( المنصوص ) الجواز ، ويحتج لظاهر ما قاله nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، واختاره صاحب الشامل بحديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود السابق ، ومن قال بالمذهب المشهور أجاب عنه بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم الخميس فوصل الجمعة به ، وهذا لا كراهة فيه بلا خلاف .
( فرع ) قال الأصحاب وغيرهم : الحكمة في كراهة إفراد يوم الجمعة بالصوم أن الدعاء فيه مستحب ، وهو أرجى فهو ، يوم دعاء وذكر وعبادة من الغسل والتبكير إلى الصلاة وانتظارها واستماع الخطبة وإكثار الذكر بعدها لقوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=10فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا } ويستحب فيه أيضا الإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من العبادات في يومها فاستحب له الفطر فيه ليكون أعون على هذه الطاعات وأدائها بنشاط وانشراح والتذاذ بها من غير ملل ولا سآمة ، وهو نظير الحاج بعرفات فإن الأولى له الفطر كما سبق لهذه الحكمة ، ( فإن قيل ) : لو كان كذلك لم تزل الكراهة بصيام قبله أو بعده لبقاء المعنى الذي نهى بسببه .
( فالجواب ) : أنه يحصل له بفضيلة الصوم الذي قبله أو بعده ما يجبر ما قد يحصل من فتور أو تقصير في وظائف يوم الجمعة بسبب صومه ، فهذا هو المعتمد في كراهة إفراد يوم الجمعة بالصوم . [ ص: 481 ] وقيل : سببه خوف المبالغة في تعظيمه بحيث يفتتن به كما افتتن قوم بالسبت ، وهذا باطل منتقض بصلاة الجمعة وسائر ما شرع في يوم الجمعة مما ليس في غيره من التعظيم والشعائر ، وقيل بسببه لئلا يعتقد وجوبه ، وهذا باطل ومنتقض بيوم الاثنين فإنه يندب صومه ولا يلتفت إلى هذا الخيال البعيد وبيوم عرفة وعاشوراء وغير ذلك ، فالصواب ما قدمناه ، والله أعلم . فرع في مذاهب العلماء في إفراد يوم الجمعة بالصوم . قد ذكرنا أن المشهور من مذهبنا كراهته . وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة والزهري nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد بن الحسن : لا يكره ، قال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك في : " الموطأ لم أسمع أحدا من أهل العلم والفقه ومن يقتدى به ينهى عن صيام يوم الجمعة ، وصيامه حسن . قال : وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه وأراه كان يتحراه " فهذا كلام nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك وقد يحتج لهم بحديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود السابق ودليلنا عليهم الأحاديث الصحيحة السابقة في النهي ، وسبق الجواب عن حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الخميس والجمعة فلا يفرده . وأما قول nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك في الموطأ : أنه ما رأى من ينهى فيعارضه ، أن غيره رأى ، فالسنة مقدمة على ما رآه هو وغيره وقد ثبتت الأحاديث بالنهي عن إفراده فيتعين العمل بها لعدم المعارض لها nindex.php?page=showalam&ids=0016867ومالك معذور فيها فإنها لم تبلغه . قال الداودي من أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك : لم يبلغ nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالكا حديث النهي ولو بلغه لم يخالفه .
( فرع ) يكره nindex.php?page=treesubj&link=2540إفراد يوم السبت بالصوم ، فإن صام قبله أو بعده معه لم يكره صرح بكراهة إفراده أصحابنا ، منهم الدارمي والبغوي والرافعي وغيرهم ; لحديث عبد الله بن بسر - بضم الباء الموحدة والسين المهملة - عن أخته الصماء رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=30377لا تصوموا يوم السبت إلا [ ص: 482 ] فيما افترض عليكم ، فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه } رواه أبو داود والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي وغيرهم ، وقال الترمذي : هو حديث حسن ، قال ومعنى النهي أن يختصه الرجل بالصيام ; لأن اليهود يعظمونه . وقال أبو داود : هذا الحديث منسوخ . وليس كما قال .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك : هذا الحديث كذب وهذا القول لا يقبل ، فقد صححه الأئمة قال الحاكم أبو عبد الله : هو حديث صحيح على شرط nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، قال : وله معارض صحيح وهو حديث nindex.php?page=showalam&ids=149جويرية السابق في صوم يوم الجمعة قال : وله معارض آخر بإسناد صحيح . ثم روى بإسناده { nindex.php?page=hadith&LINKID=23054عن كريب مولى ابن عباس أن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثوه إلى nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة يسألها أي الأيام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر صياما لها ؟ قالت : يوم السبت والأحد ، فرجعت إليهم فأخبرتهم ، فكأنهم أنكروا ذلك ، فقاموا بأجمعهم إليها فقالوا : إنا بعثنا إليك هذا في كذا وكذا فذكر أنك قلت كذا وكذا ، فقالت : صدق ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما كان يصوم من الأيام يوم السبت ويوم الأحد ، وكان يقول إنهما يوما عيد للمشركين ، وأنا أريد أن أخالفهم } هذا آخر كلام nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم . وحديث nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة هذا رواه nindex.php?page=showalam&ids=15395النسائي أيضا nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي وغيرهما . وعن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها قالت : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=27886كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين ، ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس } رواه الترمذي وقال حديث حسن والصواب على الجملة ما قدمناه عن أصحابنا أنه يكره nindex.php?page=treesubj&link=2540إفراد السبت بالصيام إذا لم يوافق عادة له ; لحديث الصماء .
وأما قول أبي داود : إنه منسوخ فغير مقبول ، وأي دليل على نسخه ؟ وأما الأحاديث الباقية التي ذكرناها في صيام السبت فكلها واردة في صومه مع الجمعة والأحد فلا مخالفة فيها لما قاله أصحابنا من كراهة إفراد السبت . [ ص: 483 ] وبهذا يجمع بين الأحاديث ، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الصماء ( لحاء عنبة ) - هو بكسر اللام وبالحاء المهملة وبالمد - وهو قشر الشجر ويمضغه - بفتح الضاد وضمها لغتان . .