قال المصنف رحمه الله تعالى ( وتجوز في موضعين ( أحدهما ) : في حق الميت إذا مات وعليه حج ، والدليل عليه حديث النيابة في حج الفرض ( والثاني ) : في حق من لا يقدر على الثبوت على الراحلة إلا بمشقة غير معتادة ، كالزمن والشيخ الكبير ، والدليل عليه ما روى بريدة رضي الله عنه { ابن عباس خثعم أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن فريضة الله في الحج على عباده ، أدركت أبي شيخا كبيرا ، لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة ، أفأحج عنه ؟ قال : نعم ، قالت أينفعه ذلك ؟ قال : نعم ، كما لو كان على [ ص: 96 ] أبيك دين فقضيته نفعه } ; ولأنه أيس من الحج بنفسه فناب عنه غيره كالميت ، وفي حج التطوع قولان ( أحدهما ) : لا يجوز ; لأنه غير مضطر إلى الاستنابة فيه ، فلم تجز الاستنابة فيه كالصحيح ( والثاني ) : أنه يجوز ، وهو الصحيح ; لأن كل عبادة جازت النيابة في فرضها جازت النيابة في نفلها كالصدقة ، فإن استأجر من يتطوع عنه ، وقلنا : لا يجوز ، فإن الحج للحاج ، وهل يستحق الأجرة ؟ فيه قولان ( أحدهما ) : أنه لا يستحق ، لأن الحج قد انعقد له ، فلا يستحق الأجرة كالصرورة ( والثاني ) : يستحق ; لأنه لم يحصل له بهذا الحج منفعة ; لأنه لم يسقط به عنه فرض ولا حصل له به ثواب بخلاف الصرورة ، فإن هناك قد سقط عنه الفرض . أن امرأة من
( فأما ) الصحيح الذي يقدر على الثبوت على الراحلة ، فلا تجوز النيابة عنه في الحج ; لأن الفرض عليه في بدنه ، فلا ينتقل الفرض إلى غيره إلا في الموضع الذي وردت فيه الرخصة ، وهو إذا أيس وبقي فيما سواه على الأصل ، فلا تجوز النيابة عنه فيه ( وأما ) المريض ، فينظر فيه ، فإن كان غير مأيوس منه لم يجز أن يحج عنه غيره ; لأنه لم ييأس من فعله بنفسه ، فلا تجوز النيابة عنه فيه كالصحيح فإن خالف وأحج عن نفسه ثم مات ، فهل يجزئه عن حجة الإسلام ؟ فيه قولان ( أحدهما ) : يجزئه ; لأنه لما مات تبينا أنه كان مأيوسا منه ( والثاني ) : لا يجزئه ; لأنه أحج وهو غير مأيوس منه في الحال ، فلم يجزه ، كما لو برئ منه ، وإن كان مريضا مأيوسا منه جازت النيابة عنه في الحج ; لأنه مأيوس منه فأشبه الزمن والشيخ الكبير ، فإن أحج عن نفسه ثم برئ من المرض ، ففيه طريقان ( أحدهما ) : أنه كالمسألة التي قبلها ، وفيها قولان ( والثاني ) : أنه يلزمه الإعادة قولا واحدا ; لأنا تبينا الخطأ في الإياس ، ويخالف ما إذا كان غير مأيوس منه فمات ، لأنا لم نتبين الخطأ ; لأنه يجوز أنه لم يكن مأيوسا منه ، ثم زاد المرض ، فصار مأيوسا منه ، ولا يجوز أن يكون مأيوسا منه ، ثم يصير غير مأيوس منه )