قال المصنف رحمه الله تعالى ( ثم السعي وهو ركن من أركان الحج ، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أيها الناس اسعوا فإن السعي قد كتب عليكم } فلا يصح السعي إلا بعد طواف ، فإن سعى ثم طاف لم يعتد بالسعي ، لما روى ابن عمر قال { لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين ثم طاف بين الصفا والمروة سبعا } ، قال الله تعالى { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } فنحن نصنع ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم والسعي أن يمر سبع مرات بين الصفا والمروة لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { نبدأ بالذي بدأ الله به ، وبدأ بالصفا حتى فرغ من آخر سعيه على المروة فإن مر من الصفا إلى المروة حسب ذلك مرة ، وإذا رجع من المروة إلى الصفا حسب ذلك مرة أخرى } ، وقال أبو بكر الصيرفي : لا يحسب رجوعه من المروة إلى الصفا مرة ، وهذا خطأ لأنه استوفى ما بينهما بالسعي فحسب مرة ، كما لو بدأ من الصفا وجاء إلى المروة .
فإن بدأ بالمروة وسعى إلى الصفا لم يجزه ، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { ابدءوا بما بدأ الله به } ويرقى على الصفا حتى يرى البيت فيستقبله ويقول : الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ; لما روى جابر [ ص: 88 ] قال { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصفا فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى إذا رأى البيت توجه إليه وكبر ثم قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ، ثم دعا ثم قال مثل هذا ثلاثا ثم نزل } . ثم يدعو لنفسه بما أحب من أمر الدين والدنيا ، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يدعو بعد التهليل والتكبير لنفسه ، فإذا فرغ من الدعاء نزل من الصفا ويمشي حتى يكون بينه وبين الميل الأخضر المعلق بفناء المسجد نحو من ستة أذرع ، فيسعى سعيا شديدا حتى يحاذي الميلين الأخضرين اللذين بفناء المسجد وحذاء دار العباس ثم يمشي حتى يصعد المروة ، لما روى حابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل من الصفا مشى حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتى يخرج منه فإذا وصل مشى حتى يأتي المروة والمستحب أن يقول بين الصفا والمروة : رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم لما روت صفية بنت شيبة عن امرأة من بني نوفل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك فإن ترك السعي ومشى في الجميع جاز ، لما روي أن ابن عمر رضي الله عنه { كان يمشي بين الصفا والمروة وقال : إن أمشي فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وأنا شيخ كبير } وإن سعى راكبا جاز ، لما روى جابر قال { طاف النبي صلى الله عليه وسلم في طواف حجة الوداع على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة ليراه الناس ، ويسألوه } .
والمستحب إذا صعد المروة أن يفعل مثل ما فعل على الصفا ، لما روى جابر { أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل على المروة مثل ما فعل على الصفا } قال في الأم : فإن سعى بين الصفا والمروة ولم يرق عليهما أجزأه . وقال أبو حفص بن الوكيل : لا يجزئه حتى يرقى عليهما ، ليتيقن أنه استوفى السعي بينهما . وهذا لا يصح لأن المستحق هو السعي بينهما وقد فعل ذلك ، وإن كانت امرأة ذات جمال فالمستحب أن تطوف وتسعى ليلا ، فإن فعلت ذلك نهارا مشت في موضع السعي وإن أقيمت الصلاة أو عرض عارض قطع السعي فإذا فرغ بنى ، لما روي أن ابن عمر رضي الله عنهما " كان يطوف بين الصفا والمروة " فأعجله البول فتنحى ، ودعا بماء فتوضأ ثم قام فأتم على ما مضى ) .


