قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإذا أتى منى بدأ برمي جمرة العقبة ، وهو من واجبات الحج ، لما روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى وقال خذوا عني مناسككم } " والمستحب أن لا يرمي إلا بعد طلوع الشمس ، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بضعفة أهله فأمرهم أن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس } وإن رمى بعد نصف الليل وقبل طلوع الفجر أجزأه ، لما روت عائشة رضي الله عنها { أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أم سلمة رضي الله عنها يوم النحر فرمت قبل الفجر ثم أفاضت ، [ ص: 165 ] وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها } والمستحب أن يرمي من بطن الوادي ، وأن يكون راكبا وأن يكبر مع كل حصاة لما روت أم سلمة رضي الله عنها قالت : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة من بطن الوادي وهو راكب وهو يكبر مع كل حصاة } والمستحب أن يرفع يده حتى يرى بياض إبطه ، لأن ذلك أعون على الرمي ويقطع التلبية مع أول حصاة لما روى الفضل بن العباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل يلبي حتى رمى جمرة العقبة } ولأن التلبية للإحرام ، فإذا رمى فقد شرع في التحلل فلا معنى للتلبية ولا يجوز الرمي إلا بالحجر ، فإن رمى بغيره من مدر أو خزف لم يجزه لأنه لا يقع عليه اسم الحجر .
والمستحب أن يرمي بمثل حصى الخذف ، وهو بقدر الباقلا ، لما روى الفضل بن العباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عشية عرفة وغداة جمع للناس حين دفعوا : عليكم بمثل حصى الخذف } فإن رمى بحجر كبير أجزأه لأنه يقع عليه اسم الحجر ولا يرمي بحجر قد رمي به ، لأن ما قبل منها يرفع وما لا يقبل منها يترك ، والدليل عليه ما روى أبو سعيد قال { قلنا يا رسول الله إن هذه الجمار ترمى كل عام فنحسب أنها تنقص . قال : أما إنه ما يقبل منها يرفع ، ولولا ذلك لرأيتها مثل الجبال } فإن رمى بما رمى به أجزأه لأنه يقع عليه الاسم ، ويجب أن يرمي فإن أخذ الحصاة وتركها في المرمى لم يجزه لأنه لم يرم ويجب أن يرميها واحدة واحدة ، { لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى واحدة واحدة وقال : خذوا عني مناسككم } ويجب أن يقصد بالرمي إلى المرمى فإن رمى حصاة في الهواء فوقعت في المرمى لم يجزه لأنه لم يقصد الرمي إلى المرمى ، وإن رمى حصاة فوقعت على أخرى ووقعت الثانية في المرمى لم يجزه لأنه لم يقصد رمي الثانية . وإن رمى حصاة فوقعت على محمل أو أرض فازدلفت ووقعت على المرمى أجزأه ، لأنه حصل في المرمى بفعله ، وإن رمى فوق المرمى فتدحرج لتصويب المكان الذي أصابه فوقع في المرمى ففيه وجهان ( أحدهما ) أنه يجزئه ، لأنه لم يوجد في حصوله في المرمى فعل غيره ( والثاني ) لا يجزئه ، لأنه لم يقع في المرمى بفعله ، وإنما أعان عليه تصويب المكان ، فصار كما لو وقع في ثوب رجل فنفضه حتى وقع في المرمى ) .


