الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 241 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن كان محرما بالعمرة وحدها وأراد دخول مكة فعل ما ذكرناه في الدخول للحج . فإذا دخل مكة طاف وسعى وحلق ، وذلك جميع أفعال العمرة والدليل عليه ما روت عائشة رضي الله عنها قالت { خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا من أهل بالحج ، ومنا من أهل بالعمرة ، ومنا من أهل بالحج والعمرة ، وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج ، فأما من أهل بالعمرة فأحلوا حين طافوا بالبيت وبين الصفا والمروة ، وأما من أهل بالحج والعمرة فلم يحلوا إلى يوم النحر } وإن كان قارنا بين الحج والعمرة فعل ما يفعله المفرد بالحج ، فيقتصر على طواف واحد وسعي واحد ، والدليل عليه ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم : قال { من جمع بين الحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد وسعي واحد ، ولأنه يدخل فيهما بتلبية واحدة ، ويخرج منهما بحلق واحد . فوجب أن يطوف لهما طوافا واحدا ، ويسعى لهما سعيا واحدا كالمفرد بالحج } ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث عائشة رواه البخاري ومسلم ( وأما ) حديث { من جمع بين الحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد وسعي واحد } فصحيح رواه الترمذي والبيهقي ، وسبق بيانه ، وبيان حديث عائشة الأول ، وغيرهما مما في معناهما في فرع من فروع مذاهب العلماء ، عقب مسائل طواف القدوم ، وذكرنا هناك مذاهب العلماء في هذه المسألة وأدلتها والجواب عنها ( وقول المصنف ) لأنه يدخل فيهما بتلبية واحدة إلى آخره فهو إلزام لأبي حنيفة بما يوافق عليه فإنه أوجب على القارن طوافين وسعيين ، ووافق على أنه يكفيه إحرام واحد وحلق واحد .

                                      ( أما الأحكام ) ففي الفصل مسألتان ( إحداهما ) القارن يفعل ما يفعله المفرد للحج ، فيقتصر على ما يقتصر عليه المفرد ، ولا يزيد عليه شيئا أصلا ، فيكفيه للإفاضة طواف واحد ، ويكفيه ( سعي واحد ) إما بعد طواف القدوم وإما بعد الإفاضة ، وهذا لا خلاف عندنا فيه ، وبه قال أكثر العلماء كما قدمته في الموضع الذي ذكرته . قال أصحابنا : ويستحب أن يطوف القارن للإفاضة طوافين ويسعى سعيين ، ليخرج من خلاف العلماء .



                                      [ ص: 242 ] الثانية ) إذا كان محرما بالعمرة وحدها وأراد دخول مكة فعل ما ذكره في الدخول للحج من الآداب ، فإذا دخل طاف وسعى وحلق وقد تمت عمرته ، هذا إذا قلنا بالمذهب إن الحلق نسك ( فإن قلنا ) ليس هو نسكا كفاه الطواف والسعي وقد حل ، قال الشافعي والأصحاب : صفة الإحرام بالعمرة صفة الإحرام بالحج ، في استحباب الغسل للإحرام ولدخول مكة والتطيب والتنظف عند إرادة الإحرام وما يلبسه وما يحرم عليه من اللباس والطيب والصيد وإزالة الشعر والظفر والوطء والمباشرة بشهوة ، ودهن الرأس واللحية وغير ذلك مما سبق ، فإن كان في غير مكة أحرم من ميقات بلده حين يبتدئ السير ، كما سبق في الحج ، وإن كان في مكة وأراد العمرة استحب له أن يطوف بالبيت ويصلي الركعتين ، ويستلم الحجر الأسود ، ثم يخرج من الحرم إلى الحل فيغتسل هناك للإحرام . ويلبس ثوبين للإحرام ، ويصلي ركعتيه ، ويحرم بالعمرة إذا سار على أصح القولين وفي القول الآخر يحرم عقب الصلاة ويلبي ، ويستمر في السير ملبيا ، وكل هذه الأمور كما سبق في الحج ، ولا يزال يلبي حتى يبدأ في الطواف فيقطع التلبية بأول شروعه فيه ، ويرمل في الطوفات الثلاث الأول من السبع ويمشي في الأربع كما سبق في طواف القدوم ، فإذا فرغ من الطواف صلى ركعتيه خلف المقام ، ثم عاد إلى الحجر الأسود فاستلمه ، ثم يخرج من باب الصفا فيسعى بين الصفا والمروة كما وصفناه في الحج ، وشروط سعيه وآدابه هناك كما سبق في الحج ، فإذا تم سعيه حلق أو قصر عند المروة ، فإذا فعل هذا تمت عمرته وحل منها حلا واحدا ، وقد سبق أنه ليس لها إلا تحلل واحد ، وهذا لا خلاف فيه . قال الشافعي والأصحاب : فإن كان معه هدي استحب ذبحه بعد السعي وقبل الحلق ، وحيث نحر من مكة أو سائر الحرم أجزأه ، لكن [ ص: 243 ] الأفضل عند المروة ، لأنها موضع تحلله ، كما يستحب للحاج الذبح بمنى لأنها موضع تحلله والله أعلم .

                                      ولو جامع المحرم بالعمرة قبل التحلل فسدت عمرته حتى لو طاف وسعى وحلق شعرتين فجامع قبل إزالة الشعرة الثالثة فسدت عمرته إن قلنا الحلق نسك ، وحكم فسادها كفساد الحج فيجب المضي في فاسدها ويجب القضاء والبدنة والله أعلم .

                                      ولو أحرم بالعمرة من نفس مكة صح إحرامه وكان مسيئا ويلزمه الخروج إلى أدنى الحل ، فإن لم يخرج بل طاف وسعى وحلق فقولان ( أصحهما ) يجزئه وعليه دم ، وقد سبقت المسألة مستقصاة بفروعها حيث ذكرها المصنف في آخر باب المواقيت ، والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية