قال المصنف رحمه الله تعالى ( نظرت فإن كان تطوعا فالمستحب أن يأكل منه ، لما روى وإذا نحر الهدي أو الأضحية أن النبي صلى الله عليه وسلم { جابر رضي الله عنه فنحر ما غبر وأشركه في هديه ، وأمر من كل بدنة ببضعة فجعلها في قدر فطبخت فأكل من لحمها وشرب من مرقها عليا } ولا يجب ذلك لقوله عز وجل { نحر ثلاثا وستين بدنة ثم أعطى والبدن جعلناها لكم من شعائر الله } فجعلها لنا ، وما هو للإنسان فهو مخير بين أكله وبين تركه ، وفي القدر الذي يستحب أكله قولان ، قال في القديم : يأكل النصف ويتصدق بالنصف لقوله عز وجل { فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير } فجعلها بين اثنين ، فدل على أنها بينهما نصفين . وقال في الجديد : يأكل الثلث ويهدي الثلث ويتصدق بالثلث لقوله عز وجل { فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر } قال الحسن : القانع الذي يسألك ، والمعتر الذي يتعرض لك ولا يسألك وقال : " القانع الجالس في بيته والمعتر الذي يسألك " فجعلها بين ثلاثة فدل على أنها بينهم أثلاثا . مجاهد
( وأما ) القدر الذي يجوز أن يؤكل ففيه وجهان ، قال أبو العباس بن سريج وأبو العباس بن القاص يجوز أن يأكل الجميع ; لأنها ذبيحة يجوز أن يأكل منها فجاز أن يأكل جميعها كسائر الذبائح ، وقال عامة أصحابنا : يجب أن يبقي منها قدر ما يقع عليه اسم الصدقة ; لأن القصد منها القربة ، فإذا أكل الجميع لم تحصل القربة له ، فإن أكل الجميع لم يضمن على قول أبي العباس [ ص: 391 ] وابن القاص ويضمن على قول سائر أصحابنا ، وفي القدر الذي يضمن وجهان ( أحدهما ) يضمن أقل ما يجزئ في الصدقة ( والثاني ) يضمن القدر المستحب وهو الثلث في أحد القولين والنصف في الآخر بناء على القولين فيمن فرق سهم الفقراء على اثنين وإن كان نذرا نظرت فإن كان قد عينه عما في ذمته لم يجز أن يأكل منه ; لأنه بدل عن واجب فلم يجز أن يأكل منه كالدم الذي يجب بترك الإحرام من الميقات ، وإن كان نذر مجازاة كالنذر لشفاء المريض وقدوم الغائب لم يجز أن يأكل منه ; لأنه جزاء ، فلم يجز أن يأكل منه كجزاء الصيد ، فإن أكل شيئا منه ضمنه .
وفي ضمانه ثلاثة أوجه ( أحدها ) يلزمه قيمة ما أكل ، كما لو أكل منه أجنبي ( والثاني ) يلزمه مثله من اللحم ; لأنه لو أكل جميعه ضمنه بمثله ، فإذا أكل بعضه ضمنه بمثله ( والثالث ) يلزمه أن يشتري جزءا من حيوان مثله ، ويشارك في ذبحه . وإن كان نذرا مطلقا ففيه ثلاثة أوجه ( أحدها ) أنه لا يجوز أن يأكل منه ; لأنه إراقة دم واجب فلا يجوز أن يأكل منه كدم الطيب واللباس ( والثاني ) يجوز ; لأن مطلق النذر يحمل على ما تقرر في الشرع ، والهدي والأضحية المعهودة في الشرع يجوز الأكل منها ، فحمل النذر عليه ( والثالث ) أنه إن كان أضحية جاز أن يأكل منها ; لأن الأضحية المعهودة في الشرع يجوز الأكل منها ، وإن كان هديا لم يجز أن يأكل منه ; لأن أكثر الهدايا في الشرع يجوز الأكل منها فحمل النذر عليها ) .