( 370 ) فصل : واختلف في فروي عن الخوف المبيح للتيمم ، : لا يبيحه إلا خوف التلف . وهذا أحد قولي أحمد . وظاهر المذهب : أنه يباح له التيمم إذا خاف زيادة المرض ، أو تباطؤ البرء ، أو خاف شيئا فاحشا ، أو ألما غير محتمل . وهذا مذهب الشافعي ، والقول الثاني أبي حنيفة . وهو الصحيح ; لعموم قوله تعالى : ( وإن كنتم مرضى أو على سفر ) للشافعي
ولأنه يجوز له التيمم إذا خاف ذهاب شيء من ماله ، أو ضررا في نفسه ; من لص ، أو سبع ، أو لم يجد الماء إلا بزيادة على ثمن مثله كثيرة ; فلأن يجوز هاهنا أولى ; ولأن ترك القيام في الصلاة ، وتأخير الصيام ، لا ينحصر في خوف التلف ، وكذلك ترك الاستقبال ، فكذا هاهنا فأما مثل من به الصداع والحمى الحارة ، أو أمكنه استعمال الماء الحار ، ولا ضرر عليه فيه ، لزمه ذلك ; لأن [ ص: 162 ] إباحة التيمم لنفي الضرر ، ولا ضرر عليه هاهنا . المريض أو الجريح الذي لا يخاف الضرر باستعمال الماء ،
وحكي عن ، مالك إباحة التيمم للمريض مطلقا ; لظاهر الآية . ولنا أنه واجد للماء ، لا يستضر باستعماله ، فلم يجز له التيمم ، كالصحيح ، والآية اشترط فيها عدم الماء ، فلم يتناول محل النزاع ، على أنه لا بد فيها من إضمار الضرورة ، والضرورة إنما تكون عند الضرر ، ومنها أن الجريح والمريض إذا أمكنه غسل بعض جسده دون بعض ، لزمه غسل ما أمكنه ، وتيمم للباقي . وبهذا قال وداود . الشافعي
وقال ، أبو حنيفة : إن كان أكثر بدنه صحيحا غسله ، ولا تيمم عليه ، وإن كان أكثره جريحا ، تيمم ولا غسل عليه ; لأن الجمع بين البدل والمبدل لا يجب ، كالصيام والإطعام . ومالك
ولنا ما روى قال : { جابر } رواه خرجنا في سفر ، فأصاب رجلا منا شجة في وجهه ، ثم احتلم ، فسأل أصحابه : هل تجدون لي رخصة في التيمم ؟ قالوا : ما نجد لك رخصة ، وأنت تقدر على الماء ، فاغتسل ، فمات ، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك ، فقال : قتلوه ، قتلهم الله ألا سألوا ، إذ لم يعلموا ، فإنما شفاء العي السؤال ، إنما كان يكفيه أن يتيمم ، ويعصب على جرحه خرقة ، ثم يمسح عليها ، ثم يغسل سائر جسده . أبو داود ، وعن مثله . ابن عباس
ولأن كل جزء من الجسد يجب تطهيره بشيء إذا استوى الجسم كله في المرض أو الصحة . فيجب ذلك فيه وإن خالفه غيره ، كما لو كان من جملة الأكثر ، فإن حكمه لا يسقط بمعنى في غيره ، وما ذكروه منتقض بالمسح على الخفين مع غسل بقية أعضاء الوضوء ، ويفارق ما قاسوا عليه ، فإنه جمع بين البدل والمبدل في محل واحد ، بخلاف هذا ، فإن التيمم بدل عما لا يصيبه الماء ، دون ما أصابه