الحكم الثاني ، أن لقوله تعالى { الصداق يتنصف بالطلاق قبل الدخول ; وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } وليس في هذا اختلاف بحمد الله ، وقياس المذهب أن ، كالميراث لا يفتقر إلى اختياره وإرادته ، فما يحدث من النماء يكون بينهما وهو قول نصف الصداق يدخل في ملك الزوج حكما وذكر زفر احتمالا آخر ، أنه لا يدخل في ملكه حتى [ ص: 174 ] يختاره ، كالشفيع وهو قول القاضي أبي حنيفة قولان ، كالوجهين . وللشافعي
ولنا قوله تعالى { فنصف ما فرضتم } . أي لكم أو لهن ، فاقتضى ذلك أن النصف لها والنصف له ، بمجرد الطلاق ، ولأن الطلاق سبب يملك به بغير عوض فلم يقف الملك على إرادته واختياره ، كالإرث ، ولأنه سبب لنقل الملك ، فنقل الملك بمجرده ، كالبيع وسائر الأسباب . ولا تلزم الشفعة ; فإن سبب الملك فيها الأخذ بها ، ومتى أخذ بها ثبت الملك من غير إرادته واختياره ، وقبل الأخذ ما وجد السبب .
وإنما استحق بمباشرة سبب الملك ، ومباشرة الأسباب موقوفة على اختياره ، كما أن الطلاق مفوض إلى اختياره فالأخذ بالشفعة نظير الطلاق ، وثبوت الملك للآخذ بالشفعة نظير ثبوت الملك للمطلق ، فإن ثبوت الملك حكم لها ، وثبوت أحكام الأسباب بعد مباشرتها لا يقف على اختيار أحد ، ولا إرادته . فإن نقص الصداق في يد المرأة بعد الطلاق ، فإن كان قد طالبها به فمنعته ، فعليها الضمان ; لأنها غاصبة ، وإن تلف قبل مطالبته ، فقياس المذهب أنه لا ضمان عليها ; لأنه حصل في يدها بغير فعلها ، ولا عدوان من جهتها فلم تضمنه ، كالوديعة وإن اختلفا في مطالبته لها ، فالقول قولها ; لأنها منكرة .
وإن ادعى أن التلف أو النقص كان قبل الطلاق . وقالت : بعده . فالقول أيضا قولها ; لأنه يدعي ما يوجب الضمان عليها وهي تنكره ، والقول قول المنكر . وظاهر قول أصحاب ، أن على المرأة الضمان لما تلف أو نقص في يدها بعد الطلاق ; لأنه حصل في يدها بحكم قطع العقد ، فأشبه المبيع إذا ارتفع العقد بالفسخ . الشافعي
ولنا ما ذكرناه ، وأما المبيع فيحتمل أن يمنع وإن سلمنا فإن الفسخ إن كان منهما ، أو من المشتري ، فقد حصل منه التسبب إلى جعل ملك غيره في يده ، وفي مسألتنا ليس من المرأة فعل ، وإنما حصل ذلك بفعل الزوج وحده ، فأشبه ما لو ألقى ثوبه في دارها بغير أمرها .