الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6111 ) فصل : فإن قال : والله لا وطئتك إن شاء فلان . لم يصر موليا حتى يشاء ، فإذا شاء صار موليا . وبهذا قال الشافعي ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي ; لأنه يصير ممتنعا من الوطء حتى يشاء ، فلا يكون موليا حتى يشاء . وإن قال : والله لا وطئتك إن شئت . فكذلك . وقال أصحاب الشافعي : إن شاءت على الفور جوابا لكلامه صار موليا ، وإن أخرت المشيئة ، انحلت يمينه ; لأن ذلك تخيير لها ، فكان على الفور ، كقوله : اختاري في الطلاق . ولنا أنه علق اليمين على المشيئة بحرف إن ، فكان على التراخي ، كمشيئة غيرها .

                                                                                                                                            فإن قيل : فهلا قلتم : لا يكون موليا ; فإنه علق ذلك بإرادتها ، فأشبه ما لو قال : لا وطئتك إلا برضاك . قلنا : الفرق بينهما ، أنها إذا شاءت ، انعقدت يمينه مانعة من وطئها ، بحيث لا يمكنه بعد ذلك الوطء بغير حنث . وإذا قال : والله لا وطئتك إلا برضاك . فما حلف إلا على ترك وطئها في بعض الأحوال ، وهو حال سخطها ، فيمكنه الوطء في الحال الأخرى بغير حنث . وإذا طالبته بالفيئة ، فهو برضاها . ولو قال : والله لا وطئتك حتى تشائي . فهو كقوله : إلا برضاك . ولا يكون موليا بذلك . وإن قال : والله لا وطئتك إلا أن يشاء أبوك . أو : فلان . لم يكن موليا ; لأنه علقه بفعل منه يمكن وجوده في الأربعة الأشهر إمكانا غير بعيد ، وليس بمحرم ، ولا فيه مضرة ، فأشبه ما لو قال : والله لا وطئتك إلا أن تدخلي الدار .

                                                                                                                                            وإن قال : والله لا وطئتك إلا أن تشائي . لم يكن موليا ، وكان بمنزلة قوله : إلا برضاك . أو : حتى تشائي . وقال أبو الخطاب : إن شاءت في المجلس ، لم يصر موليا ، وإلا صار موليا . وقال أصحاب الشافعي : إن شاءت على الفور عقيب كلامه ، لم يصر موليا ، وإلا صار موليا ; لأن المشيئة عندهم على الفور ، وقد فاتت بتراخيها . وقال القاضي : تنعقد يمينه ، فإن شاءت انحلت ، وإلا فهي منعقدة . ولنا أنه منع نفسه بيمينه من وطئها إلا عند إرادتها ، فأشبه ما لو قال : إلا برضاك . أو : حتى تشائي . ولأنه علقه على وجود المشيئة ، أشبه ما لو علقه على مشيئة غيرها . فأما قول القاضي : فإن أراد وجود المشيئة على الفور . فهو كقولهم .

                                                                                                                                            وإن أراد وجود المشيئة على التراخي ، تنحل به اليمين ، لم يكن ذلك إيلاء ; لأن تعليق اليمين على فعل يمكن وجوده في مدة الأربعة الأشهر ، إمكانا غير بعيد ، ليس بإيلاء . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية