الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            القسم الخامس ، المباح ; كلبس الثوب ، وركوب الدابة ، وطلاق المرأة على وجه مباح ، فهذا يتخير الناذر فيه ، بين فعله فيبر بذلك ; لما روي { أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوف بنذرك . } رواه أبو داود . ولأنه لو حلف على فعل مباح بر بفعله ، فكذلك إذا نذره ; لأن النذر كاليمين . وإن [ ص: 70 ] شاء تركه وعليه كفارة يمين .

                                                                                                                                            ويتخرج أن لا كفارة فيه ; فإن أصحابنا ، قالوا فيمن نذر أن يعتكف أو يصلي في مسجد معين : كان له أن يصلي ويعتكف في غيره ، ولا كفارة ، ومن نذر أن يتصدق بماله كله ، أجزأته الصدقة بثلثه بلا كفارة . وهذا مثله . وقال مالك والشافعي : لا ينعقد نذره ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم { : لا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله . }

                                                                                                                                            وقد روى ابن عباس ، قال { : بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، إذ هو برجل قائم ، فسأل عنه ، فقالوا : أبو إسرائيل ، نذر أن يقوم في الشمس ، ولا يستظل ، ولا يتكلم ، ويصوم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : مروه فليستظل وليجلس ، وليتكلم ، وليتم صومه } رواه البخاري .

                                                                                                                                            وعن أنس قال : { نذرت امرأة أن تمشي إلى بيت الله الحرام ، فسئل نبي الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال : إن الله لغني عن مشيها ، مروها فلتركب } . قال الترمذي : هذا حديث صحيح . ولم يأمر بكفارة . وروي { أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يهادى بين اثنين ، فسأل عنه ، فقالوا : نذر أن يحج ماشيا . فقال : إن الله لغني عن تعذيب هذا نفسه ، مروه فليركب . } متفق عليه . ولم يأمره بكفارة ، ولأنه نذر غير موجب لفعل ما نذره ، فلم يوجب كفارة ، كنذر المستحيل . ولنا ، ما تقدم في القسم الذي قبله .

                                                                                                                                            فأما حديث التي نذرت المشي ، فقد أمر فيه بالكفارة في حديث آخر ، وروى عقبة بن عامر ، أن { أخته نذرت أن تمشي إلى بيت الله الحرام ، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال : مروها فلتركب ، ولتكفر عن يمينها . } صحيح ، أخرجه أبو داود . وهذه زيادة يجب الأخذ بها ، ويجوز أن يكون الراوي للحديث روى البعض وترك البعض أو يكون النبي صلى الله عليه وسلم ترك ذكر الكفارة في بعض الحديث ، إحالة على ما علم من حديثه في موضع آخر .

                                                                                                                                            ومن هذا القسم إذا نذر فعل مكروه ، كطلاق امرأته ، فإنه مكروه ، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم : { أبغض الحلال إلى الله الطلاق } . فالمستحب أن لا يفي ، ويكفر ، فإن وفى بنذره ، فلا كفارة عليه ، والخلاف فيه كالذي قبله .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية