[ ص: 258 ] فصل : وإن فالحكم فيه كالحكم فيما إذا كانا أجنبيين ، سواء ; لأنه قد ثبت أن الميت أعتق العبدين . فإن طعن الاثنان في شهادة الأجنبيين ، وقالا : ما أعتق غانما في مرض موته وكل واحد ثلث ماله ، إنما أعتق سالما . لم يقبل قولهما في رد شهادة الأجنبية ; لأنها بينة عادلة مثبتة ، والأخرى نافية ، وقول المثبت يقدم على قول النافي ، ويكون حكم ما شهدت به حكم ما إذا لم يطعن الورثة في شهادتهما ، في أنه يعتق إن تقدم تاريخ عتقه ، أو خرجت له القرعة ، ويرق إذا تأخر تاريخه ، أو خرجت القرعة لغيره . وأما الذي شهد به الابنان ، فيعتق كله ; لإقرارهما بإعتاقه وحده ، واستحقاقه للحرية . وهذا قول خلف المريض ابنين ، لا وارث له سواهما ، فشهدا أنه أعتق سالما في مرض موته ، وشهد أجنبيان أنه أعتق غانما في مرض موته ، وكل واحد ثلث ماله ، ولم يطعن الابنان في شهادتهما ، وكانت البينتان عادلتين ، . القاضي
وقيل : يعتق ثلثاه إن حكم بعتق سالم ، وهو ثلث الباقي ; لأن العبد الذي شهد به الأجنبيان كالمغصوب من التركة ، وكالذاهب من التركة بموت أو تلف ، فيعتق ثلث الباقي . وهو ثلثا غانم . والأول أصح ; لأن المعتبر خروجه من الثلث حال الموت ، وحال الموت في قول الابنين لم يعتق سالم ، إنما عتق بالشهادة بعد الموت ، فيكون ذلك بمنزلة موته بعد موت سيده ، فلا يمنع من عتق من خرج من الثلث قبل موته . فإن كان الابنان فاسقين ولم يردا شهادة الأجنبية ، ثبت العتق لسالم ، ولم يزاحمه من شهد له الابنان ، لفسقهما ; لأن شهادة الفاسق كعدمها ، فلا يقبل قولهما في إسقاط حق ثبت ببينة عادلة ، وقد أقر الابنان بعتق غانم ، فينظر ; فإن تقدم تاريخ عتقه ، أو أقرع بينهما فخرجت القرعة له ، عتق كله ، كما قلنا في التي قبلها .
وإن تأخر تاريخ عتقه ، أو خرجت القرعة لغيره ، لم يعتق منه شيء ; لأن الابنين لو كانا عدلين ، لم يعتق منه شيء ، فإذا كانا فاسقين أولى . وقال القاضي ، وبعض أصحاب : يعتق نصفه في الأحوال كلها ; لأنه استحق العتق بإقرار الورثة ، مع ثبوت العتق للآخر بالبينة العادلة ، فصار بالنسبة كأنه أعتق العبدين ، فيعتق منه نصفه . وهذا لا يصح ; فإنه لو أعتق العبدين ، لأعتقنا أحدهما بالقرعة ، لأنه في حال تقدم تاريخ عتق من شهدت له البينة ، لا يعتق منه شيء ولو كانت بينته عادلة ، فمع فسوقها أولى ، وإن كذبت الورثة الأجنبية ، فقالت : ما أعتق غانما ، إنما أعتق سالما ، عتق العبدان . وقيل : يعتق من سالم ثلثاه . والأول أولى . الشافعي