( 8426 ) فصل : إذا ، حلفوا معه ، وصارت وقفا عليهم ، وسقط حق الأبوين ، وإن لم يحلفوا معه ، ولم يكن على الميت دين ولا له وصية ، حلف الأبوان ، وكان نصيبهما طلقا لهما ، ونصيب البنين وقفا عليهم بإقرارهم ; لأنه ينفذ بإقرارهم . خلف ثلاثة بنين وأبوين ، فادعى البنون أن أباهم وقف داره عليهم في صحته ، وأقاموا بذلك شاهدا واحدا
وإن كان على الميت دين ، أو وصى بشيء ، قضي دينه ، ونفذت وصيته ، وما بقي بين الورثة ، فما حصل للبنين كان وقفا عليهم بإقرارهم . وإن حلف واحد منهم كان ثلث الدار وقفا عليه ، والباقي يقضي منه الدين وما فضل يكون ميراثا ، فما حصل للابنين منه كان وقفا عليهما ، ولا يرث الحالف شيئا ; لأنه يعترف أنه لا يستحق منها شيئا سوى ما وقف عليه . وإن حلفوا كلهم ، فثبت الوقف عليهم ، لم يخل من أن يكون الوقف مرتبا على بطن ، ثم على بطن بعد بطن أبدا ، أو مشتركا ، فإن كان مرتبا ، فإذا انقرض الأولاد الثلاثة ، انتقل الوقف إلى البطن الثاني ، بغير يمين ; لأنه قد ثبت كونه وقفا بالشاهدين ويمين الأولاد ، فلم يحتج من انتقل إليه إلى بينة ، كما لو ثبت بشاهدين ، وكالمال الموروث .
وكذلك إذا انقرض الأولاد ، ورجع إلى المساكين ، لم يحتاجوا في ثبوته لهم إلى يمين ; لما ذكرناه . وإن انقرض أحد الأولاد ، انتقل نصيبه منه إلى إخوته ، أو إلى من شرط الواقف انتقاله إليه ، بغير يمين ; لما ذكرنا . فإن امتنع البطن الأول من اليمين ، فقد ذكرنا أن نصيبهم يكون وقفا عليهم بإقرارهم ، فإذا انقرضوا ، كان ذلك وقفا على حسب ما أقروا به ، فإن كان إقرارهم أنه وقف عليهم ، ثم على أولادهم ، فقال أولادهم : نحن نحلف مع شاهدنا ، لتكون جميع الدار وقفا لنا . فلهم ذلك ; لأنهم ينقلون الوقف من الواقف ، فلهم إثباته [ ص: 208 ] كالبطن الأول .
فأما إن حلف أحد البنين ، ونكل أخواه ، ثم مات الحالف ; نظرت ، فإن مات بعد موت إخوته ، صرف نصيبه إلى أولاده ، وجها واحدا . وإن مات في حياة إخوته ، ففيه ثلاثة أوجه ; أحدها ، ينصرف إلى إخوته ; لأنه لا يثبت للبطن الثاني شيء مع بقاء أحد من البطن الأول . والثاني ، ينتقل إلى أولاده ; لأن أخويه أسقطا حقهما بنكولهما ، فصارا كالمعدومين . والثالث ، يصرف إلى أقرب عصبة الواقف ; لأنه لم يمكن صرفه إلى الأخوين ، ولا إلى البطن الثاني ، لما ذكرنا ، فيصرف إلى أقرب عصبة الواقف ، إلى أن يموت الأخوان ، ثم يعود إلى البطن الثاني .
والأول أصح ; لأن الأخوين لم يسقطا حقوقهما ، وإنما امتنعا من إقامة الحجة عليه ، ولذلك لو اعترف لهما الأبوان ، ثبت الوقف من غير يمين ، وها هنا قد حصل الاعتراف من البطن الثاني ، فوجب أن ينصرف إليهما ; لحصول الاتفاق من الجميع على استحقاقهما له . فإن قيل : فإذا كان البطن الثاني صغارا ، فما حصل الاعتراف منهم . قلنا : قد حصل الاعتراف من الحالف الذي ثبتت الحجة بيمينه ، وبالبينة التي ثبت بها الوقف ، وبها يستحق البطن الثاني ، فاكتفي بذلك في انتقاله إلى الأخوين ، كما يكتفى به في انتقاله إلى البطن الثاني بعد انقراض الأخوين ، ويدل على صحة هذا ، أننا اكتفينا بالبينة في أصل الوقف ، وفي كيفيته ، وصفته ، وترتيبه ، فيما عدا هذا المختلف فيه فيجب أن يكتفى به فيه .
فأما إن كان شرط الواقف أن من مات منهم عن ولد ، انتقل نصيبه إليه ، انتقل إلى أولاده ، وجها واحدا ; لأنه لا منازع لهم فيه . وإن مات من غير ولد ، انتقل إلى أخويه ، على الوجه الصحيح ، ويخرج فيه الوجهان الآخران . الحال الثاني ، إذا كان الوقف مشتركا ; وهو أن يدعوا أن أباهم وقف داره على ولده ، وولد ولده ما تناسلوا ، فقد شرك بين البطون ، ففي هذه الحال ، إذا حلف أولاده الثلاثة مع شاهدهم ولم يكن أحد من أولادهم معهم موجودا ، ثبت الوقف على الثلاثة .
وإن كان من أولادهم أحد موجودا ، فهو شريكهم ، فإن كان كبيرا حلف واستحق ، وإن لم يحلف كان نصيبه ميراثا تقضى منه الديون ، وتنفذ الوصايا ، وباقيه للورثة ; لأنه يأخذ الوقف ابتداء من الواقف بغير واسطة ، فهو كأحد البنين . وإن كان صغيرا ، أو حدث لأحد البنين ولد يشاركهم في الوقف ، أو كان أحد البنين صغيرا ، وقف نصيبه من الوقف عليه ، ولا يسلم إلى وليه حتى يبلغ ، فيحلف أو يمتنع ; لأنه يتلقى الوقف من غير واسطة .
فإن قيل : فلم لم يستحق بغير يمين ، لكون البنين المستحقين معترفين له بذلك ، فيكتفى باعترافهم ، كما لو كان في أيديهم دار فاعترفوا لصغير منها بشرك ، فإنه يسلم إلى وليه ؟ قلنا : الفرق بينهما أن الدار التي في أيديهم لم يكن لهم فيها منازع ، ولا يوجب على أحد منهم فيها يمين ، وهذه ينازعهم فيها الأبوان ، وأصحاب الديون والوصايا ، وإنما يأخذونها بأيمانهم ، فإذا أقروا بمشارك لهم ، فقد اعترفوا بأنه كواحد منهم ، لا يستحق إلا بيمينه ، كما لا يستحق واحد منهم إلا باليمين . ويفارق ما إذا كان الوقف مرتبا على بطن ، بعد بطن ، فإنه لا يشاركهم [ ص: 209 ] أحد من البطن الثاني .
فإذا بلغ الصغير الموقوف نصيبه ، فحلف ، كان له ، وإن امتنع نظرت ; فإن كان موجودا حين الدعوى ، أو قبل حلفهم ، كان نصيبه ميراثا ، كما لو كان بالغا ، فامتنع من اليمين ، فإن حدث بعد أيمانهم وثبوت الوقف نماء ، كان له نصيبه أيضا ; لأن الوقف ثبت في جميع الدار بأيمان البنين ، فلا يبطل بامتناع من حدث ، إلا أنه إن أقر أنها ليست وقفا ، وكذب البنين في ذلك ، كان نصيبه من الغلة ميراثا ، حكمه حكم نماء الميراث ، وإن لم يكذبهم ، فنصيبه وقف له .
وقال : إن امتنع من اليمين ، رد نصيبه إلى الأولاد الثلاثة ، ولم يفرق بين من كان موجودا حال الدعوى والحادث بعدها ; لأنه لا يجوز أن يستحق شيئا بغير يمينه ، ولا يجوز أن يبطل الوقف الثابت بأيمانهم ، فتعين رد نصيبه إليهم . ولنا ، أنه إن كان موجودا حال الدعوى وحلفهم ، فهو شريكهم حين يثبت الوقف ، فلم يجز أن يثبت الوقف في نصيبه بغير يمينه ، كالبالغ ، وإن كان حادثا بعد ثبوت الوقف بأيمانهم ، فهم مقرون له بنصيبه وهو يصدقهم في إقرارهم فلم يجز لهم أخذ نصيبه كما لو أقروا له بمال ، ولأنهم يقرون بأنهم لا يستحقون أكثر من ثلاثة أرباع الوقف ، فلا يجوز لهم أخذ أكثر من ذلك . القاضي
وإن مات الصغير قبل بلوغه ، قام وارثه مقامه ، فيما ذكرنا . وإن مات أحد البنين البالغين قبل بلوغ الصغير ، وقف أيضا نصيبه مما كان لعمه الميت ، وكان الحكم فيه ، كالحكم في نصيبه الأصلي . وقال : إن بلغ فامتنع من اليمين ، فالربع موقوف إلى حين موت الثالث ، ويقسم بين البالغين وورثة الميت ; لأنه كان بين الثلاثة ، ونصيبه من الميت للبالغين الحيين خاصة ; لأنهما مستحقا الوقف . القاضي