( 8713 ) مسألة : قال : ( وإن عجلت الكتابة قبل محلها ، لزم السيد الأخذ ، وعتق من وقته في [ ص: 344 ] إحدى الروايتين عن ، رحمه الله . والرواية الأخرى ، إذا ملك ما يؤدي ، فقد صار حرا ) الكلام في هذه المسألة في فصلين : ( 8714 ) الفصل الأول : فيما إذا أبي عبد الله . فالمنصوص عن عجل المكاتب الكتابة قبل محلها ، أنه يلزم قبولها ، ويعتق المكاتب . وذكر أحمد أبو بكر فيه رواية أخرى ، أنه لا يلزم قبول المال إلا عند نجومه ; لأن بقاء المكاتب في هذه المدة في ملكه حق له ، ولم يرض بزواله ، فلم يزل ، كما لو علق عتقه على شرط ، لم يعتق قبله .
والصحيح في المذهب : الأول . وهو مذهب ، إلا أن القاضي قال : أطلق الشافعي أحمد هذا القول ، وهو مقيد بما لا ضرر في قبضه قبل محله ، كالذي لا يفسد ، ولا يختلف قديمه وحديثه ، ولا يحتاج إلى مؤنة في حفظه ، ولا يدفعه في حال خوف يخاف ذهابه ، فإن اختل أحد هذه الأمور ، لم يلزم قبضه ، مثل أن يكون مما يفسد ; كالعنب ، والرطب ، والبطيخ ، أو يخاف تلفه كالحيوان ، فإنه ربما تلف قبل المحل ، ففاته مقصوده . والخرقي
وإن كان مما يكون حديثه خيرا من قديمه ، لم يلزمه أيضا أخذه ; لأنه ينقص إلى حين الحلول ، وإن كان مما يحتاج إلى مخزن ، كالطعام والقطن ، لم يلزمه أيضا ; لأنه يحتاج في إبقائه إلى وقت المحل إلى مؤنة ، فيتضرر بها ، ولو كان غير هذا ، إلا أن البلد مخوف ، يخاف نهبه ، لم يلزمه أخذه ; لأن في أخذه ضررا لم يرض بالتزامه ، وكذلك لو سلمه إليه في طريق مخوف ، أو موضع يتضرر بقبضه فيه ، لم يلزمه قبضه ، ولم يعتق المكاتب ببذله .
قال القاضي : والمذهب عندي أن في قبضه تفصيلا ، على حسب ما ذكرناه في السلم . ولأنه لا يلزم الإنسان التزام ضرر لم يقتضه العقد ، ولو رضي بالتزامه .
وأما ما لا ضرر في قبضه ، فإذا عجله ، لزم السيد أخذه . وذكر أبو بكر ، أنه يلزمه قبوله من غير تفصيل ، اعتمادا على إطلاق القول في ذلك ، وهو ظاهر إطلاق أحمد ; لما روى الخرقي ، بإسناده عن الأثرم ، أن رجلا أتى أبي بكر بن حزم رضي الله عنه فقال يا أمير المؤمنين ، إني كاتبت على كذا وكذا ، وإني أيسرت بالمال ، فأتيته به ، فزعم أنه لا يأخذها إلا نجوما . فقال عمر رضي الله عنه : يا عمر يرفأ ، خذ هذا المال ، فاجعله في بيت المال ، وأد إليه نجوما في كل عام ، وقد عتق هذا . فلما رأى ذلك سيده ، أخذ المال . وعن بنحو هذا . ورواه عثمان ، في سننه ، عن سعيد بن منصور عمر جميعا . قال : حدثنا وعثمان ، عن هشيم ابن عوف ، عن ، أن محمد بن سيرين قضى بذلك . عثمان
ولأن الأجل حق لمن عليه الدين ، فإذا قدمه فقد رضي بإسقاط حقه ، فسقط ، كسائر الحقوق . فإن قيل : إذا علق عتق عبده على فعل في وقت ، ففعله في غيره لم يعتق ، فكذلك إذا قال : إذا أديت إلي ألفا في رمضان . فأداه في شعبان ، لم يعتق . قلنا : تلك صفة مجردة ، لا يعتق إلا بوجودها ، والكتابة معاوضة يبرأ فيها بأداء العوض ، فافترقا ، وكذلك لو أبرأه من العوض في المكاتبة ، عتق ، ولو أبرأه من المال في الصفة المجردة ، لم يعتق .
والأولى ، إن شاء الله تعالى ما قاله القاضي ، في أن ما كان في قبضه ضرر ، لم يلزمه ، قبضه ولم يعتق ببذله ; لما ذكره من الضرر الذي لم يقتضه العقد ، وخبر رضي الله عنه لا دلالة فيه على وجوب قبض ما فيه ضرر ، ولأن أصحابنا قالوا : لو لقيه في بلد آخر ، فدفع إليه نجوم الكتابة أو بعضها ، فامتنع من أخذها لضرر فيه من خوف ، [ ص: 345 ] أو مؤنة حمل ، لم يلزمه قبوله ; لما عليه من الضرر فيه ، وإن لم يكن فيه ضرر ، لزمه قبضه . كذا هاهنا . وكلام عمر ، رحمه الله ، محمول على ما إذا لم يكن في قبضه ضرر ، وكذلك قول أحمد الخرقي وأبي بكر .