المبحث الثاني:
مصطلح (التوحيد) في سياق الاصطلاح التربوي
يدور معنى مادة (وحد) في اللغة على محور واحد، هـو الانفراد والإفراد، جاء في مختار الصحاح: (الوحدة: الانفراد، تقول: رأيته (وحده ) ... كأنك قلت: (أوحدته) برؤيتي (إيحادا) ، أي لم أر غيره... ويقال: ( وحده ) و (أحده) بتشديد الحاء فيهما، كما يقال ثناه وثلثه. ورجل (وحد) و (وحد ) بفتح الحاء وكسرها، و ( وحيد ) أي منفرد. و ( توحد ) برأيه، تفرد به) [1] .
فالتوحيد إذن هـو الإنفراد والتفريد.
وأما في سياق الاصطلاح العقدي، فالتوحيد: هـو إفراد الله تعالى في ربوبيته، وألوهيته، وإثبات صفاته [2] .
وأما التوحيد في سياق الاصطلاح التربوي، فنقصد به: تربية الفرد - بالمعنى السابق للتربية - على أساس استلهام المضمون العقدي للمصطلح لكن ليس على المستوى التصوري (الكلامي) فحسب، ولكن باستشعاره أيضا في كل مجالات التدين، حتى يكون الارتباط بالله وحده، حاصلا لدى المتربي، عند ممارسته التدينية، والحركية على حد سواء. وإنما يحصل [ ص: 38 ] ذلك بجعل النصوص الشرعية (الكتاب والسنة) ، المادة المصدرية لكل تصور، أو برنامج تربوي، إذ هـي وحدها دون سواها، القناة الطبيعية، التي تربط الفرد بالله، ربطا مباشرا، لا أثر فيه لوساطة وسيط، يتدخل بذاته، لتكييف ذلك الاتصال على حسب فهمه العقلي، أو ذوقه الروحي!
فالتربية التوحيدية، عملية تقوم على جعل التوحيد العقدي، شعورا حاضرا عند التدين، فهما، وتنزيلا .. فالفهم لا يكون إلا عن الله، وكما أراد الله .. والعمل لا يكون إلا كما أمر الله، ولا يقصد به غير وجه الله.
إن التربية المبنية على أساس التوحيد بهذا المعنى، هـي ترقية الفرد المسلم في مراتب التدين، من خلال تعميق التزامه بمبادئ الإسلام، ومقتضياته العملية، حيث تكون النصوص الشرعية هـي بذاتها مادة التربية الأساس، فيكون المتربي حينئذ متعلقا قلبه وعقله بالله وحده دون سواه. وذلك عين التوحيد، لا أن تكون الترقية التدينية مبنية على أساس عظمة فكر مفكر، أو بطولية مواقفه السياسية، أو كثرة تضحياته الابتلائية، أو خصوصية أحواله الروحية، وهلم جرا، فأي عمل تربوي ينحو بالفرد هـذا المنجى الأخير، يعد خروجا عن مبدأ التوحيد، بالمعنى المذكور. وتفصيل ذلك، هـو ما سنشرح به المصطلح الثالث بحول الله. [ ص: 39 ]