الفصل الخامس
حركة الوعي الإسلامي الحديث.. بين التوحيد والوساطة
بعد هـذه الجولة عبر مراحل التربية الإسلامية، في تقلبها بين التوحيد والوساطة ، نجد أن تراث الأمة الإسلامية التربوي ضخم جدا ومتنوع، وأنه بقدر ما يفيد في إناء الفكري التربوي للأجيال الجديدة، بقدر ما يثير من الحيرة والتأمل عند الإقدام على استمداد المنهج، أو بعض قواعده التربوية، من هـذه الشخصية أو تلك أو هـذه المدرسة أو الأخرى، أو استمداد قوانين التجربة التربوية الفلانية، أو غيرها، لمعرفة أسباب النجاح، أو أسباب الفشل.
كل ذلك ومثله مثير للأخذ والرد، والمحاورة والمراجعة، وذلك لأن كثيرا من المصنفات، وكثيرا من المدارس، مهما حملت من خير وصواب لا تخلو من شر وزلل، ومهما حملت من شر وضلال لا تخلو من خير وحق، ربما يندر أن يوجد بتفصيله، ووصفه، وتنزيله، عند غيرها، وهذا كله أثر في نهضة حركة الوعي الإسلامي الحديث، من حيث اختيارها، واجتهادها في المجال التربوي.
والذي يلاحظ المناهج التربوية لدى حركة الوعي الإسلامي الحديث [ ص: 151 ] على العموم، يلاحظ حضور هـذا التراث بخيره وشره، في كثير من تجلياتها الدعوية بصورة أو بأخرى...
فليس من السهل إنكار حضور الغزالي ورجال التصوف ، ولا إنكار حضور ابن تيمية ، والشاطبي ، وابن عبد الوهاب ، وغيرهم من أضرابهم، رحمهم الله في فكرها ومناهجها التربوية سواء كمادة مرجعية، أو كمادة مصدرية بالنسبة لكلام الاتجاهين... إذ ربما حضر ابن تيمية في المجال التربوي لحركة الوعي، كمادة مرجعية، أي كتجربة تدل على المنهج التوحيدي، لإعادة استلهام النص الشرعي من جديد، والارتباط تربويا بالمصدر التربوي الحق، كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ... وربما حضر كمادة مصدرية لدى بعضها الآخر، فكان اجتهاده متنا تشريعيا للتربية الدعوية، فتسقط الدعوة في الوساطة من حيث فرت منها.
ومن هـنا، لم تخل المناهج التربوية في حركة الوعي الإسلامي الحديث من مظاهر التوحيد، وأخرى للوساطة، وإن اختلفت التجليات والتشكيلات، لهذا المظهر أو ذاك، بين تشكله القديم في التراث، وتشكله الحديث في حركة الوعي الإسلامي..ولبيان ذلك، نفرد المبحثين التاليين: [ ص: 152 ]