لم يعد خافيا ما تشكله الوسائل التعليمية من أهمية في نجاح العملية التعليمية، بحيث باتت الآثار الإيجابية لاستخدام تلك الوسائل في التدريس من المسلمات التربوية التي برهنت على جدواها الدراسات وأثبتها الواقع.
وفي هذا الصدد ذكر "فلاته" عددا من مميزات استخدام الوسائل التعليمية فقال [1] :
1- إن الاستخدام الأمثل لتقنيات التعليم بوساطة المدرس الكفء سوف يساعد هذا المدرس على أداء عمله بكفاءة عالية وجـودة فائـقة، حيث ثبت من دراسة للمؤلف (فلاته، 1982م ) أن بوسع المدرس الذي يستخدم وسيلة تعليمية سمعية بصرية أن يوفر 50% من وقت الحصة، مع إمكانية الحصول على مستوى تعليمي أفضل.
2- كما أن استخدام تقنيات التعليم سوف يساعد المدرس على أن يطور من مستواه العلمي، خاصة عندما يستفيد من البرامج المتاحة.
3- كذلك فإن تقنيات التعليم قادرة على تقديم المادة التعليمية [ ص: 39 ] بأسلوب مشوق، وتستطيع أن تخلق جوا من التفاعل والعمل الجماعي داخل الفصل وخارجه.
4- وأخيرا فإن بوسع تقنيات التعليم أن تتيح الفرصة أمام الطالب لكي يتعلم وينمي مواهبه وحصيلته وفقا لقدراته.
وأما أبو راس فقد أشار إلى أن البحوث والدراسات أثبتت جـدوى وضـرورة استـخـدام الوسـائل التعـليـمية، وأورد مثـالين على ذلك [2] :
الأول: أثبتت الدراسات التي أجريت في الولايات المتحدة أن الفرد يمكن أن يتذكر:
10% مما قرأه، و20% مما سمعه، و30% مما شاهده، و50% مما شاهده وسمعه في نفس الوقت، و70% مما رواه أو قاله، و90% مما رآه أثناء أدائه لعمل معين.
وبما أن التعلم والتذكر عمليتان متلازمتان ومتداخلتان بدرجة كبيرة - وفي كثير من الأحيان نجد أن التذكر هو الذي يؤدي إلى التعلم - لذلك فإن نسبة تذكر الفرد لما يتعلمه تتوقف على الطريقة التي تم التعلم بها. وإذا تم التعلم عن طريق أكثر من حاسة فإن ذلك يؤدي إلى نسبة تذكر أعلى وتعلم أكثر فعالية. [ ص: 40 ]
وأما الثاني: فهو ما أورده العالم الأمريكي إدجارديل في مخروط الخبرة المشهور الموضح في الشكل الذي أوضح فيه أن الخبرات المباشرة تهيئ فرصة للتـعلم أكثر من غيرها من الخبرات. وتتدرج كما هو واضح في الشكل التالي، حتى تصل إلى الرموز اللفظية التي تشكل الحـد الأدنى من تهيئة فرص التعلم. انـظر الشكل رقم (1 ) .
الشكل رقم (1)
المصدر: حسين حمدي الطوبجي: وسائل الاتصال والتكنولوجيا في التعليم، (كويت: دار القلم، 1987م) ، ص 42. المصدر: حسين حمدي الطوبجي: وسائل الاتصال والتكنولوجيا في التعليم، (الكويت: دار القلم، 1987م ) ، ص.42 [ ص: 41 ]
وفي السياق نفسه أورد الباحث صالح بن مبارك الدباسي بعض الدراسات التي تبين أهمية الوسائل التعليمية في عمليتي التعليم والتعلم، واستخلص منها أن من فوائد استخدام الوسائل التعليمية ما يلي [3] :
1- تقليل الجهد واختصار الوقت.
2- تقديم الحقائق للدارسين كاملة إلى حد كبير، ولا تترك مجالا للتصورات الخاطئة عن الشيء الذي يراد دراسته.
3- الدروس التي يقدمها المعلمون -مهما كانت شيقة ومهما كان المعلـم فصيـحا - فإنها لن تصل كامـلة إلى الـدارسـين، فالإنسـان لا يستطيع أن يتتبع حديثا لمدة طويلة دون أن ينشغل تفكيره بأمور أخرى جانبية، وهذا الأمر أشد عند التلاميذ، واستخدام الوسائل يساعد على التركيز وتتبع المعنى.
4- إن استخدام الوسائل التعليمية يجعل عملية التعليم والتعلم عملية شيقة وممتعة للمعلم والمتعلم، فالمعلم الذي يستخدم الوسائل التعليمية سيكفي نفسه مشقة الحديث باستمرار ولمدة طويلة، والمتعلم بدوره يرتاح من الاستماع المتواصل للمعلم، وهذه الراحة تؤدي إلى جعل العملية سهلة ومحببة إلى النفس. [ ص: 42 ]
5- حسن استخدام الوسائل التعليمية يؤدي إلى زيادة مشاركة الطالب الإيجابية في اكتساب الخبرة، وتنمية قدراته على التأمل ودقة الملاحظة واتباع التفكير العلمي للوصول إلى حل المشكلات.
6- عن طريق استخدام الوسائل التعليمية يمكن تنويع أساليب التعزيز التي تؤدي إلى تثبيت الاستجابات الصحيحة وتأكيد التعلم (استخدام التعليم المبرمج ) .
7- تنويع الوسائل التعليمية يؤدي إلى تكوين وبناء المفاهيم السليمة. كلمة ( ساق ) مثلا قد تعني عند الطالب كل جزء من النبات يعلو سطح التربة، ثم يبدأ المدرس بعرض نماذج توضح أنواعا كثيرة من السيقان، فيعرف الطالب أن هناك ساقا أرضية وهوائية ومتسلقة ومتحورة.
8- التلاميذ يتعلمون من جميع الوسائل التعليمية إذا أحسن استخدامها.
وهكذا نجد مما سبق أن المدرس لا يسعه الاستغناء عن استخدام الوسائل التعليمية المناسبة في التدريس، مهما كان تخصصه، ومهما كانت خبرته العملية، وكفايته العلمية. وإن اقتصار المعلم على الطريقة اللفظية يجعل أثر التعلم قصير الأمد، كما أنه يحرم التلميذ من كثير من المهارات ومن المتعة والتشويق ومن المشاركة الفـاعـلة في عمـليـة [ ص: 43 ] التعلـم، التـي لا تتـأتى عـلى الوجـه الأمـثـل إلا باستخدام الوسائل التعليمية المناسبة. هذا فضلا عن توفير وقت المعلم والطلاب.
غير أن مما يؤسف له ما أشارت إليه بعض الدراسات من عدم وجود وسائل تعليمية حديثة في مجال تدريس مادة التربية الإسلامية، وأن بعض مدرسي هذه المادة يشعرون أنها لا تحتاج وسائل تعليمية، الأمر الذي انعكس على طرق تدريس فروع التربية الإسلامية، التي باتت تفتقر إلى عنصر التشويق وإثارة اهتمام التلاميذ [4]
ومن الغريب حقـا أن يعـزف بعـض مـدرسي التربية الإسـلامـية عن استخدام وسائل التعليم في التدريس، بالرغم أن من الثابت أن الرسول قد استخدمها في تعليم أصحابه رضي الله عنهم ، واستعان بها على توضيح بعض المعاني التي يريد إيصالها إلى أذهان السامعين. وهو ما ستكشف عنه هذه الدراسة، التي تسعى للتحقق مما إذا كان الرسـول قـد استخدم الوسـائل التعليمية في تعليم أصحابه رضي الله عنهم
بمعنى: هل استخدم الرسول الوسائل التعليمية في تعليم أصحابه رضي الله عنهم ؟ [ ص: 44 ]
وبناء على ذلك، تحاول هذه الدراسة أن تجيب عن التساؤلات الآتية:
1- ما الوسائل التعليمية التي استخدمها الرسول في تعليم أصحابه رضي الله عنهم ؟
2- ما أثر الوسائل التعليمية التي استخدمها الرسول على العملية التعليمية؟
3- إذا كان الرسول قد استخدم الوسائل التعليمية، فماذا يعني ذلك بالنسبة للمربين المسلمين في الوقت الحاضر؟
وترمي هذه الدراسة إلى بلوغ الأهداف الآتية:
1- التعرف على مدى استخدام الرسول صلى الله عليه وسلم للوسائل التعليمية في تعليم أصحابه رضي الله عنهم .
2- التعرف على طبـيـعة الوسائل التعليمية التي استخدمها الرسول.
3- التعرف على الأثر الذي تركه استخدام الوسيلة التعليمية على الموقف التعليمي.
4- التعـرف علـى مشروعيـة استـخـدام الوسـائـل التعليمية في التدريس.
5- الإسهام في الجهود الرامية إلى التأصيل الإسلامي للعلوم التربوية والنفسية، التي بدأت تؤتي أكلها في الآونة الأخيرة في صورة بحوث ورسائل علمية، وكتب ومؤتمرات تربوية. [ ص: 45 ]
ولقد اعتمدت في هذه الدراسة منهج البحث التاريخي، حيث اجتهدت في مراجعة أمهات الكتب الحديثية، باعتبارها مصادر أساسية للدراسة، باحثا في ثناياها عن الوسائل التعليمية التي استخدمها الرسول في تعليم أصحابه رضي الله عنهم .
فقمت بمراجعة المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي، والبحث عن الألفاظ التي يحتمل أن تشير إلى وسيلة تعليمية، مثل: إصبع، حصى، حلق، خط، ساعة، سبابة، شبك، أشار، أومأ، ضم، غرز، لسان، ونحو ذلك من الألفاظ.
ثم رجعت إلى المواضع التي أشار إليها المعجم المفهرس من كتب الحديث، لاستخراج الأحاديث التي قد تتضمن وسيلة تعليمية، ومن ثم تصنيف الأحاديث بحسب الوسيلة التي تتضمنها.
كما رجعت إلى كتب شروح الحديث وغيرها من المراجع، للوقوف على تعليقات العلماء على تلك الأحاديث إن وجدت.
وكنت خلال ذلك شديد الحرص على التعرف على الأثر الذي تركه استخدام الوسيلة التعليمية على العملية التعليمية من زيادة وضـوح وبيـان، إلى إبراز أهمـية المـوقـف التعليمي، إلى إطـالة أمـد التعلم، إلى تأكيـد المعنى المـراد، ونحو ذلك من الفوائد والمزايا التربوية. [ ص: 46 ]
وتكتسب هذه الدراسة أهميتها مما يمكن أن تقدمه من توضيح للوسائل التعليمية التي استخدمها الرسول في تعليم أصحابه رضي الله عنهم ، من حيث طبيعتها وأنواعها، ومن حيث الأثر الذي تركته على المتعلمين.
كما تكتسب أهميتها أيضا من أن نتائجها قد تكون حافزا لمدرسي التربية الإسلامية لزيادة استخدام الوسائل التعليمية في تدريسهم، تأسيا بالرسول المعلم.
كما قد تكون حافزا لبعض الباحثين لتناول نفس الموضوع بصورة أشمل وأعمق، بحيث يتم استقصاء الوسائل التعليمية التي استخدمها الرسول في تعليم أصحابه رضي الله عنهم .
وأرجو أن تأتي هذه الدراسة إسهاما متواضعا في الجهود الرامية إلى التأصيل الإسلامي للعلوم التربوية والنفسية، التي تلقى اهتماما متزايدا في الآونة الأخيرة.
وقد يكون من المفيد أن نشير ابتداء إلى المقصود من مصطلح (الوسائل التعليمية ) .. فقد أورد الباحثون تعريفات شتى للسوائل التعليمية، منها:
* (كل شيء يحمل فكرة أو معنى أو رسالة، ويستعين بها المعلم - أو غيره- لكي يوصل هذا المعنى أو هذه الرسالة إلى غيره، بجانب [ ص: 47 ] ألفاظه وأسلوبه ) [5] .
* (المواد والأجهزة والمواقف التعليمية التي يستخدمها المدرس في مجال الاتصال التعليمي بطريقة ونظام خاص، لتوضيح فكرة أو تفسير مفهوم غامض أو شرح أحد الموضوعات، بغرض تحقيق التلميذ لأهداف سلوكية ) [6] .
* (الوسائل التعليمية تشمل كل الأدوات والمواد المختلفة التي يستعين بها المعلم ويوظفها خلال عملية التدريس للأغراض التعليمية ) [7] .
ومن خلال ذلك يمكن تعريفها بما يلي:
* (هي كل وسيلة حسية يستخدمها المعلم، لإيصال مفهوم أو فكرة ما إلى أذهان المتعلمين، بحيث يؤدي استخدامها إلى زيادة في وضوح ذلك المفهوم أو الفكرة لديهم ) . [ ص: 48 ]