إنسانية الإنسان قبل حقوق الإنسان
الأستاذ الدكتور أحمد الريسوني
مما لا شك فيه أن فكرة حقوق الإنسان، بتسميتها وفلسفتها ومضامينها المتداولة اليوم، هـي فكرة غربية وثقافة غربية، بغض النظر عن التقائها وتقاطعها مع كثير من المبادئ والقيم الدينية، بل واستمدادها منها بشكل مباشر أو غير مباشر.
ومما لا شك فيه أيضا أن حركة حقوق الإنسان هـي تطور إيجابي نوعي في تاريخ البشرية التواقة دوما إلى عديد من الشعارات والنداءات والمكتسبات التي جاءت بها حركة حقوق الإنسان الحديثة.
غير أن حركة حقوق الإنسان هـذه، المنتمية إلى الحضارة الغربية وإلى الثقافة الغربية، تفتقر إلى المرتكزات الثابتة والغايات المقصورة الواضحة، وإلى المعايير الضابطة والموجهة. وهذا ما يجعلها في كثير من الأحيان تتأرجح وتتخبط وتسير في الاتجاه وضده حتى إنها تسير أحيانا في خدمة الإنسان، وأحيانا ضد الإنسان وفطرته، أحيانا في خدمة الشعوب، وأحيانا ضد إرادة الشعوب واختياراتها وقيمها. [ ص: 39 ]
وأهم خلل - في نظري- تعاني منه حركة حقوق الإنسان وثقافة «حقوق الإنسان»، هـو أنها ركزت على حقوق الإنسان وأهملت أصل هـذه الحقوق ومناطها الذي هـو الإنسان، فكانت كمن اعتنى بجني الثمرة وتلميعها وأعرض عن سقي الشجرة وتهذيبها. والحقيقة أن هـذا مجرد مثال للقيم المقلوبة المنكسة في الحضارة الغربية والثقافة الغربية،
كما قال الله تعالى: ( أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم ) (الملك:22) ، فالتركيز على حقوق الإنسان، مع إهمال كيان الإنسان، ومع إهدار جوهر الإنسان، هـو من قبيل تركيزهم على حقوق الإنسان دون تركيز مماثل على واجبات الإنسان حتى أصبحنا أمام إنسان الحقوق لا أمام حقوق الإنسان، ومن قبيل تضخيمهم للبعد الفردي على البعد الجماعي لحقوق الإنسان، إلى غير ذلك من القيم المقلوبة.