المبحث الثاني: دور الحسبة في حماية حقوق الإنسان
من أبرز معالم هـذا العصر قضية حقوق الإنسان، فهي تشكل مرتكزا أساسيا للخارطة الدولية. فما دور الحسبة الشرعية في حمايتها؟ إن الجواب عن هـذا السؤال يتضمن خمسة محاور: وهي الحسبة ومصدر حقوق الإنسان، والحسبة والغاية من حقوق الإنسان، والحسبة وتحديد مضامين حقوق الإنسان، والحسبة ودور الدولة في حماية حقوق الإنسان، والحسبة ومؤسسات المجتمع المدني التي تشكل إحدى الضمانات لحقوق الإنسان. وفيما يلي بيان لهذه المحاور.
أولا: الحسبة ومصدر حقوق الإنسان
إذا كان مفهوم حقوق الإنسان في القوانين الغربية المعاصرة يستند إلى القانون الطبيعي المستمد من العقل الإنساني والطبيعة، وإلى مبادئ العدالة التي تتركز في ضمير الإنسان ووجدانه، وما نتج عنها من حرية فردية وعقد اجتماعي، هـذا بالإضافة إلى العلمانية السياسية التي اصطبغ بها الفكر الغربي منذ القرن السابع عشر الميلادي، والتي عملت على استبعاد فكرة وجود قوانين إلهية تحدد [ ص: 146 ] حقوق الإنسان، واستبدال هـذه القوانين بالقوانين الطبيعية التي لا علاقة لها بالله تعالى لا من قريب ولا من بعيد [1] ، فإن الحسبة الشرعية، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذي يعني إحقاق الحق ومقاومة البغي الذي يتعرض له الإنسان؛ تستند إلى الوحي الإلهي المتمثل في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، والذي يأخذه الإنسان المسلم بقلب مليء بالإيمان والعقيدة. وهذا يفسر لنا اقتران الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالإيمان في كثير من الآيات،
منها قوله: ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) (آل عمران:110) ، وقوله: ( من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين ) (آل عمران: 113-114) ، وقوله: ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) (التوبة:71) . [ ص: 147 ]
«ومن النماذج الواقعية، ما " روى الطبري في تاريخه أن ربعي بن عامر دخل على رستم قائد الفرس في مجلسه، فبادر رستم بسؤال الشيخ المجاهد: ما جاء بكم؟ فأجابه الرجل المؤمن على الفور: «الله ابتعثنا، والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام» " [2] .
إن الحسبة الشرعية، بمفهومها الواسع للفرد والجماعة والدولة، هـي محور حقوق الإنسان، وتؤصل لمصدر تلك الحقوق، فتربطها بالوحي الإلهى وعقيدة الإيمان بدلا من ربطها بالطبيعة والعقل الإنساني المجرد ومبادئ العدالة وما ينتج عنها من عقد اجتماعي، وغير ذلك مما تقرره العقلية الغربية. وهذا مما يجعل هـذه الحقوق ثابتة وموضوعية، وهي في حراسة عقيدة الإيمان وحمايتها، وهي ترتكز إلى أصول ثابتة في قلب الإنسان المسلم وضميره، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وتجد احتراما وتقديرا وقداسة من الإنسان.
قال الله تعالى: ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ) (النحل:90) ، وقال تعالى: ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا [ ص: 148 ] بالعدل ) (النساء: 58)، أما ربط حقوق الإنسان بالقانون الطبيعي فيجعلها خاضعة لاعتبارات ذاتية ترتبط بمصلحة الدولة أو مصلحة الحكام دون النظر إلى الاعتبارات الموضوعية المتعلقة بإقرار الحقوق والواجبات، ولذلك قيدت نصوص المواثيق الخاصة بهذه الحقوق بالحماية التي كفلتها دساتير الدول [3] .
وهذا يفسر لنا التصريحات المتناقضة بشأن حقوق الإنسان في الغرب، وسياسة الكيل بمكيالين ومدى (احترام) الغرب لحقوق الإنسان في غير بلاده!
ثانيا: الحسبة والغاية من حقوق الإنسان
إذا كانت الغاية من حقوق الإنسان في القوانين الغربية المعاصرة هـي تقرير القيم الغربية المستندة إلى مبادئ العدالة والحرية الفردية وتسويقها في المجتمعات الإنسانية عن طرق الدعاية الإعلامية، والدعوة إلى العلمانية أحيانا، وفي بعض الأحيان عن طريق الحرب، وتهديد الدول بوضعها في قائمة الدول المساندة للإرهاب والمنتهكة لحقوق الإنسان، فإن الغاية من الحسبة الشرعية هـي تحقيق السلام [ ص: 149 ] العالمي، الذي يستند إلى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وحماية مصالح الناس في الدنيا والآخرة، ودفع الفساد عنهم.
وهي مصالح لا ترتبط بفئة معينة، ولا بجنس الفرد أو لونه أو موطنه، وإنما تشمل جميع الناس. وهي تسعى إلى إيجاد عالم يتمتع فيه الإنسان بالكرامة الإنسانية وبحرية العقيدة والقول، ويتحرر من التسلط والظلم والفزع والفاقة، كما يقول الغزالي وغيره من العلماء المسلمين: «إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هـو القطب الأعظم في الدين... ولو طوي بساطه وأهمل علمه وعمله، لتعطلت النبوة واضمحلت الديانة، وعمت الفترة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، واتسع الخرق، وخربت البلاد، وهلك العباد، ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد» [4] .
إن الحسبة في غايتها العالمية تؤصل للغاية من حقوق الإنسان، فهي غاية عالمية خالدة، وليست آنية يتوقف وجودها وإقرارها على مصالح الدول والأمم التي تروج لها، وهي ترجع إلى حفظ مقاصد الشريعة في الخلق، كما أشار الشاطبي، حيث ربط بين الحسبة ومقاصد الشريعة. وهذه المقاصد لا تعدو ثلاثة أقسام: وهي الضروريات، والحاجيات ، والتحسينيات . [ ص: 150 ]
فالضروريات هـي التي لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين.. ويتم حفظ الضروريات بأمرين:
الأول: ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها، وذلك مراعاتها من جانب الوجود.
والثاني:ما يدرأ عنها الاختلاف الواقع أو المتوقع فيها، وذلك مراعاتها من جانب العدم.
فأصول العبادات راجعة إلى حفظ الدين من ناحية الوجود: كالإيمان، والنطق بالشهادتين، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وما أشبه ذلك.. والعادات راجعة إلى حفظ النفس والعمل من جانب الوجود أيضا: كتناول المأكولات، والمشروبات، والملبوسات، والمسكونات.. والمعاملات راجعة إلى حفظ النسل والمال من جانب الوجود، وإلى حفظ النفس والعقل أيضا.. والجنايات راجعة إلى حفظ الجميع من دين ونفس وعرض وعقل ومال من جانب العدم.
والذي يجمع كل ذلك من الجانبين: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الحسبة) ، فيجمعها من جانب الوجود الأمر بالمعروف، ومن جانب العدم النهي عن المنكر. [ ص: 151 ]
وأما الحاجيات فترجع إلى ما يرفع الحرج عن الناس، ويخفف عنهم أعباء التكليف، وييسر لهم طرق المعاملات والمبادلات. وهي جارية في العبادات والمعاملات والجنايات. ففي العبادات شرعت الرخص تخفيفا عن المكلفين إذا كان في العزيمة مشقة عليهم: كرخصة الإفطار في رمضان لكل من المريض والمسافر. وفي المعاملات شرعت البيوع والإجارات والمضاربات، ورخص في عقود لا تنطبق على الأصول العامة: كالسلم والاستصناع والمزارعة والمساقاة ، وغير ذلك مما يحتاج إليه الناس. وفي الجنايات شرعت القسامة ، وضربت الدية على العاقلة، وغير ذلك.
وأما التحسينيات فترجع إلى كل ما يجمل حال الناس ويجعلها على وفاق مما يليق بمحاسن العادات، وتجنب الأحوال المداسات التي تأنفها العقول الراجحات. ويجمع ذلك مكارم الأخلاق. وهي جارية في العبادات والمعاملات والعقوبات. ففي العبادات شرعت الطهارة وأخذ الزينة. وفي المعاملات منع الغش والتدليس والتغرير وبيع النجاسات. وفي العقوبات منع من قتل الرهبان والنساء والصبيان الذين لم يشاركوا في القتال، ونهي عن المثلة والغدر وغير ذلك [5] . [ ص: 152 ]
ثالثا: الحسبة وتحديد مضامين حقوق الإنسان
إذا كانت المواثيق الغربية المعاصرة لحقوق الإنسان ودساتير الدول لم تتناول مضامين الحقوق بشكل قانوني منظم ومبوب، وإنما عمدت إلى تقريرها بأسلوب عاطفي أدبي، مما يزيد في انتقائية الدول لهذه الحقوق، ويجعلها في مرونة السلطة الحاكمة في إقرار بعض الحقوق أو عدم إقرارها في المجتمع، وليس أدل على ذلك من التفرقة العنصرية ضد الملونين التي تمارسها الدول الديمقراطية التي تدعي دفاعها عن حقوق الإنسان، أو السياسة الاستعمارية البشعة التي تمارسها كثير من الدول الكبرى في العالم [6] ، فإن علماء الحسبة الشرعية قد تناولوا مضامين حقوق الإنسان بشكل مبوب يفوت على الدولة الانتقائية في إقرار الحقوق، ويكسب تلك الحقوق الحماية.
فقد قسم ابن تيمية الحقوق إلى قسمين: أولهما: الحقوق التي ليست لقوم معينين، بل منفعتها لمطلق المسلمين، أو نوع منهم، كلهم محتاج إليها، وتسمى حدود الله وحقوق الله، ومثل لذلك بحد قطع الطريق، وحد السرقة، والزنى، والتصرف في الأموال السلطانية ( المالية العامة ) ، والوقف ، والوصايا التي ليست لمعين. فهذه من أهم أمور [ ص: 153 ] الولايات، ولهذا " قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : «لا بد للناس من إمارة، برة كانت أو فاجرة. فقيل: يا أمير المؤمنين هـذه البرة قد عرفناها فما بال الفاجرة؟ فقال: يقام بها الحدود، وتأمن بها السبل، ويجاهد بها العدو، ويقسم بها الفيء» " ، فهذا القسم يجب على الولاة البحث عنه وإقامته من غير دعوى أحد به: وأما القسم الثاني: فهو الحقوق التي لآدمي معين، وترجع إلى حفظ النفس بالقصاص ، والعقل، والمال بتشريع المعاملات وغير ذلك [7] .
ويضيف الماوردي قسما ثالثا إلى حقوق الله وحقوق الآدميين: وهو الحقوق المشتركة بين حقوق الله وحقوق الآدميين، ولهذا نجده قد قسم الحقوق ثلاثة أقسام وربطها بالحسبة بفرعيها: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر [8] .
وجعل الفرع الأول على ثلاثة أقسام. وهي حقوق تتعلق بالله تعالى وما يجب له، وحقوق تتعلق بالآدميين، وحقوق مشتركة بين الله والآدميين. [ ص: 154 ]
فالقسم الأول: المتعلق بحقوق الله على ضربين
الضرب الأول: ما يلزم الأمر به في الجماعة دون الانفراد: كصلاة الجمعة في وطن مسكون، وصلاة الجماعة في المساجد، وإقامة الأذان فيها. فهي من شعائر الإسلام وعلامات التعبد، فإذا اجتمع أهل بلد أو محلة على تعطيل صلاة الجماعة في مساجدهم، وترك الأذان في إقامة صلواتهم، كان المحتسب مندوبا إلى أمرهم بالأذان والجماعة في الصلوات.
وأما الضرب الثاني:فما يأمر به آحاد الناس وأفرادهم: كالأمر بأداء الصلاة في وقتها وعدم تأخيرها، فيذكر المحتسب بها ويأمر بفعلها.
وأما القسم الثاني: المتعلق بالأمر بالمعروف في حقوق الآدميين فعلى ضربين: عام، وخاص:
فالضرب الأول: عام يتعلق بمصلحة عموم الناس: ومثاله ما إذا تعطل شرب [9] البلد، أو انهدم سوره، فعلى المحتسب أن يأمر المسئولين بإصلاحه إذا كان في بيت المال مال وإلا لزم الكافة القيام بذلك، فيبادر القادرون إلى إصلاحه، وإن قصروا في ذلك أمرهم المحتسب وحثهم عليه. [ ص: 155 ]
وأما الضرب الثاني: من حقوق الآدميين فهو خاص، ويكون فيما إذا مطلت الديون وأخر المدين القادر على سدادها، فللمحتسب أن يأمر القادرين على السداد بقضاء ما عليهم من ديون إذا حان وقت السداد، إذا طلب منه أصحاب الديون ذلك.
وأما القسم الثالث المتعلق بالأمر بالمعروف فيما كان مشتركا من حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين، فيمثل له بأمر الأولياء بنكاح الأيامى أكفائهن إذا اشتكين للمحتسب، ومنع تعسف الأولياء في حق الولاية عليهن، وإلزام النساء بأحكام العدة إذا فورقن، وله تأديب من خالفت في العدة: بأن تزوجت قبل انتهائها. ويأخذ السادة بحقوق العبيد والإماء و (الخدم) ، وأن لا يكلفوا من الأعمال مالا يطيقون، ويأمر من أخذ لقيطا برعايته، وعدم التقصير في كفالته.
وجعل الفرع الثاني: وهو النهي عن المنكر، على ثلاثة أقسام أيضا:
فالقسم الأول: يتعلق بحقوق الله تعالى، وهو على ثلاثة أضرب:
الضرب الأول: ما يتعلق بالعبادات، من قصد مخالفة هـيئاتها المشروعة، وتعمد تغيير أوصافها المسنونة: كأن يقصد الجهر في صلاة [ ص: 156 ] الإسرار، والإسرار في صلاة الجهر، أو أن يزيد في الصلاة أو الأذان أذكارا غير مسنونة؛ فللمحتسب إنكارها وتأديب المعاند فيها. وكذلك إذا أخل الإنسان بتطهير جسده أو ثوبه أو موضع صلاته أنكره عليه إذا تحقق ذلك، وإذا رأى من يتصدى لعلم الشرع وليس من أهله أنكر عليه ذلك.
وأما الضرب الثاني: فما يتعلق بالمحظورات من حقوق الله، مثل منع الناس من مواقف الريب ومظان التهمة: كوقوف رجل مع إمرأة في طريق خال، والمجاهرة بإظهار الخمر، واستعمال الملاهي المحرمة وغير ذلك.
وأما الضرب الثالث: فما يتعلق بالمعاملات من حقوق الله، والبيوع الفاسدة، والعقود المحرمة، والغش في المبيعات، وتدليس الأثمان، وغير ذلك.
وأما القسم الثاني: المتعلق بالنهي عن المنكر في حقوق الآدميين المحضة؛ فيمثل له بتعدي الجيران على بعضهم، إذا طلب المتعدى عليه إنصافه. وكذلك مراقبة أهل الصنائع في الأسواق ومنعهم من الغش.
وأما القسم الثالث: المتعلق بالنهي عن المنكر في الحقوق المشتركة [ ص: 157 ] بين حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين؛ فيمثل له بالمنع من الإشراف على منازل الناس والإطلاع على عوراتهم، ومنع أئمة المساجد من الإطالة في الصلاة حتى لا يعجز عنها الضعفاء ولا ينقطع عنها ذوو الحاجات. ومنع القضاة من الجور في الأحكام. ومنع أرباب السفن من حمل ما لا تسعه، ويخاف منه غرقها، ومنعهم من السير عند اشتداد الريح، وإذا حمل فيها الرجال والنساء حجز بينهم بحائل. ويراقب المحتسب المحلات التي يرتادها النساء، فإذا كان العامل فيها ممن حسنت سيرته وأمانته أقره فيها، وإن ظهرت منه الريبة وبان عليه الفجور؛ منع من العمل فيها وأدب على ذلك. وينظر المحتسب في مقاعد الأسواق، فيقر منها ما لا ضرر فيه على المارة، ويمنع ما استضر به المارة. ويمنع من التكسب بالكهانة واللهو، ويؤدب عليه الآخذ والمعطي وغير ذلك.
مما سبق من عرض لأنواع حقوق الإنسان في تشريع الحسبة في الفقه الإسلامي، تتبين الأمور التالية:
1- إن الحسبة ببيان أنواع الحقوق فيها تستوعب كل ما جاء في إعلانات حقوق الإنسان في الدساتير الحديثة والمواثيق الدولية [ ص: 158 ] المعاصرة، فهي تشمل الحقوق الشخصية الذاتية والفكرية والسياسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية والحريات العامة: كحرية التعبير وحرية التنقل والإقامة، والحرية الفكرية والمعنوية، هـذا بالإضافة إلى تقرير حق المساواة بين أفراد الدولة أمام شريعة الله تعالى. كما يتمتع أهل الذمة من غير المسلمين بالمساواة أمام القانون والقضاء؛ لأن الذمي من رعوية الدولة الإسلامية ويحمل جنسيتها، فله حقوق المواطنة العامة في الإسلام.
وتزيد حقوق الإنسان في الإسلام على ما جاء في تلك المواثيق بإقرار عبودية الإنسان لخالقه تعالى، وتحريره من العبودية للخلق. وهي ركيزة أساسية في تحقيق إنسانية الإنسان وكرامته، إذ بدونها تبقى حقوقه عرضة للانتهاك.
2- إن الحسبة في عرضها للحقوق الواجبة للإنسان لا تغفل عن الواجبات الملقاة على عاتقه، فيجعل كثيرا من حقوقه واجبات دينية مطالب بها. فإبداء الرأي (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) واجب شرعي عليه وحق له كذلك، أوجبه الإسلام على الفرد المسلم في قوله تعالى: ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هـم المفلحون ) (آل عمران:104) ، [ ص: 159 ] واعتبره حقا له وواجبا على الدولة، فعليها أن تمكن المسلمين من أدائه،
في قوله: ( وشاورهم في الأمر ) (آل عمران:159)
كما يجب على الدولة أن تخصص ولاية خاصة بالحسبة ، وتعين المحتسب والأعوان.
هذا بالإضافة إلى أن الحقوق في الإسلام جاءت مقيدة بالواجبات: فحرية التنقل في داخل بلاد الدولة الإسلامية مقيدة بعدم إلحاق الضرر بالأمة، كأن يكون ذلك البلد ثغرا في مواجهة العدو، وحينئذ فإن على أهله واجب البقاء فيه وعدم الانتقال عنه، ولو تعرضت مرافقه للتلف فيجب على الدولة إصلاحها إن كان في بيت المال مال، والإ وجب على الكافة القيام بالإصلاح، ولا يجوز لهم الانتقال عنه، كما قال الماوردي : «إن كان البلد- أي الذي تعرض شربه للتلف- ثغرا بدار الإسلام لم يجز لولي الأمر أن يفسح في الانتقال عنه، وكان حكمه حكم النوازل إذا حدثت في قيام كافة ذوي المكنة به. وكان تأثير المحتسب في مثل هـذا إعلام السلطان به وترغيب أهل المكنة في عمله. وإن لم يكن هـذا البلد ثغرا مضرا بدار الإسلام كان أمره أيسر وحكمه أخف...» [10] . [ ص: 160 ]
إن الجمع بين الحقوق والواجبات في تشريع الحسبة وغيرها، يؤدي إلى تواضع الإنسان في مطالبته بحقوقه وعدم تسرعه، فقبل المطالبة للآخرين بالحقوق يطالب نفسه بالواجبات الملقاة على عاتقه. وهذا بدوره يؤدي إلى إيجاد إنسان الواجب الذي يستشعر دوره في المجتمع، وبالتالي يكون معطاء فعالا إيجابيا مدركا لواجبه تجاه نفسه ومجتمعه ودينه.
3- إن تشريع الحسبة قرر الحقوق الجماعية للشعوب ولم يكتف بتقرير حقوق الفرد: مثل حق تقرير المصير والكيان السياسي للأمة، وهي ما يطلق عليها المصلحة العامة أو حق الله تعالى، وهي حقوق مقدمة على الحقوق الخاصة، كما جاء في حديث السفينة، حيث ( قال النبي صلى الله عليه وسلم : «مثل المدهن في حدود الله والواقع فيها مثل قوم استهموا سفينة، فصار بعضهم في أسفلها، وصار بعضهم في أعلاها، فكان الذي في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها، فتأذوا به فأخذ فأسا فجعل ينقر أسفل السفينة، فأتوه، فقالوا: مالك؟، قال: تأذيتم بي ولا بد لي من الماء، فإذا أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم، وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم ) [11] . [ ص: 161 ]
رابعا: الحسبة ودور الدولة في حماية حقوق الأنسان
ولاية الحسبة من الولايات الشرعية العامة الخاضعة لسلطة الدولة، حيث تجب على الإمام بحكم وظيفته في حفظ الدين على أصوله المستقرة وتنفيذ أحكامه، ورعاية حقوق الناس ومصالحهم [12] . ولذلك كان الخلفاء في العصور الأولى للإسلام يباشرونها بأنفسهم، ثم أسندوا أمرها إلى وال خاص يعرف بالمحتسب، وأعطي من الصلاحيات والأعوان بحيث يقوم بها خير قيام، فيمشي في الأسواق والشوارع ويقتحم أبواب المؤسسات العامة والدوائر الحكومية، ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، سواء تعلق ذلك بقيمة من قيم الإسلام معطلة أو بحق من حقوق الناس مهدر، مهما كان مركز ذلك الفاعل للمنكر، فيدخل المحتسب على الأمراء والولاة وينكر عليهم، كما قال ابن الإخوة : «ينبغي للمحتسب أن يقصد مجالس الأمراء والولاة ويأمرهم بالشفقة على الرعية، والإحسان إليهم، ويذكر لهم ما ورد في ذلك من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل: ( ما من عبد استرعاه الله رعية، ولم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة ) [13] ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( ما من وال يلي رعية من المسلمين، فيموت وهو غاش لهم [ ص: 162 ] إلا حرم الله عليه الجنة ) [14] ، ويبين لهم خطر الولاية. ولا يسلم الوالي إلا بمخالطة العلماء والصلحاء وفضلاء الدين ليعلموه طريق العدل.
ومن أعظم خصال الوالي وأحمدها توقيا في نفوس الخاصة والعامة، إنصافه من خاصته وحاشيته وأعوانه، وتفقدهم في كل ساعة، ويمنعهم أن يأخذوا فوق ما يستحقون.. » [15] ، ويدخل على القضاة في محاكمهم، كما قال ابن بسام : «ينبغي للمحتسب أن يتردد إلى مجالس القضاة والحكام... فإذا رأى القاضي قد اشتاط على رجل غيظا أو شتمه أو احتد عليه في كلامه ردعه عن ذلك، ووعظه، وخوفه الله عز وجل، فإن القاضي لا يجوز له أن يحكم وهو غضبان، ولا يقول هـجرا ولا يكون فظا غليظا» [16] ..
ويراقب المحتسب التجار والصناع، ويشرف على أحوالهم، ويطالع أخبارهم، فيقر المعروف وينكر المنكر، ويمنع صاحب كل صناعة من الغش في صناعته، وكل تاجر من الغش في بضاعته [17] .
فعلى المحتسب أن يأخذ على يد الظالم، وأن يحارب الجريمة والانحراف قبل أن يستفحل خطرها ويشتد أمرها، وتفتك بالناس في [ ص: 163 ] المجتمع؛ وإلا كان مسئولا عن ذلك، ومن ورائه الدولة التي عينته،
قال تعالى: ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) (المائدة:78-79) .
وإذا جاز للمحتسب اقتحام الدوائر الحكومية العامة، من إدارة الوالي والمحكمة الشرعية وغير ذلك، فلا يجوز له اقتحام بيوت الناس الخاصة والتجسس عليهم، كما ذكر ابن جزي في القوانين ضمن شروط المحتسب عليه: «أن يكون معلوما بغير تجسس، فكل من ستر على نفسه وأغلق بابه، لا يجوز أن يتجسس عليه» [18] .. وروى الخلال عن أحمد بن حنبل : «أنه سئل عن الرجل يسمع حس الطبل والمزمار ولا يعرف مكانه، فقال: وما عليك؟ وقال: ما غاب فلا تفتش» [19] . وقال ابن تيمية : «إذا أظهر الرجل المنكرات وجب الإنكار عليه» [20] .
وقال الماوردي : «وأما ما لم يظهر من المحظورات فليس للمحتسب أن يتجسس عنها، ولا أن يهتلك الأستار حذرا من [ ص: 164 ] الاستتار بها» [21] ، ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( من أصاب من هـذه القاذورات فليستتر بستر الله، فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب الله ) [22] ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنك أن اتبعت عورات المسلمين أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم ) [23] ، وما " روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: «إن ناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه، وليس لنا من سريرته شيء، الله يحاسبه على سريرته» " [24] .
واستثنى الماوردي من عدم جواز التجسس على الناس حالة واحدة: وهي ما إذا كانت الجريمة على وشك الوقوع، ونقلها إلى المحتسب ثقة عدل. أما إذا لم تكن على وشك الوقوع أو لم يخبر بها ثقة عدل، فلا يجوز التجسس واقتحام البيوت الخاصة للناس، حيث قال: «فإن غلب على الظن استسرار قوم بها لأمارات دلت وآثار ظهرت فذلك ضربان: أحدهما: أن يكون ذلك في انتهاك حرمة يفوت استدراكها: مثل أن يخبره من يثق في صدقه أن رجلا خلا [ ص: 165 ] بامرأة ليزني بها أو برجل ليقتله؛ فيجوز له في مثل هـذه الحالة أن يتجسس، ويقوم على الكشف والبحث حذرا من فوات ما لا يستدرك من انتهاك المحارم وارتكاب المحظورات... وهكذا لو عرف ذلك قوم من المتطوعة جاز لهم الإقدام على الكشف والبحث في ذلك والإنكار. والضرب الثاني: ما خرج من هـذا الحد وقصر عن حد هـذه الرتبة؛ فلا يجوز التجسس عليه، ولا كشف الأستار عنه» [25] .
هذا يدل دلالة واضحة على أن تشريع الحسبة يحمي الحياة الخاصة للإنسان، فلا يجوز التجسس عليه ولا مراقبته بحجة المصلحة الوطنية، ولا التنصت على مكالماته الهاتفية وغير ذلك.
خامسا: الحسبة ومؤسسات المجتمع المدني التي تشكل إحدى الضمانات لحقوق الإنسان
إذا كان المجتمع المدني يعني أنه المجتمع الذي ينظم أفراده أنفسهم بتنظيمات تطوعية حرة، تملأ الفراغ بين الأسرة والسلطة السياسية والمجتمع، بحيث يتمكن الأفراد من أن يديروا أنفسهم بأنفسهم، من خلال منظماتهم التطوعية، ملتزمين في ذلك بقيم الاحترام ومعاييره والإدارة السلمية للنزاع والخلاف، فهو بهذا المعنى يتضمن عدة عناصر وهي: [ ص: 166 ]
العنصر الأول: المبادرة إلى الانضواء في عضويات حرة، وتنظيمات فاعلة تسعى لتحقيق مصالح الناس، وترعى حقوقهم على وجه الكفاية. وبقدر ما يحمل الشخص من بطاقات عضوية في تلك التنظيمات الحرة يكون عنصرا نشطا في مجتمعه.
العنصر الثاني: التنظيم الجماعي، فهي مؤسسة ذات نظام خاص بها، ينظم حقوق الأفراد وواجباتهم.
العنصر الثالث: اتباع الطرق السليمة في حل الخلافات، فالأفراد في المجتمع المدني يعترفون بحق "الغير" في تنظيم نفسه وحماية حقوقه [26] .
فإن الحسبة بمعناها التطوعي تعمل على إيجاد مؤسسات أهلية أو مؤسسات المجتمع المدني، فللمتطوعين أن يبادروا إلى إقامة مؤسسات وجمعيات في سائر حقول الحياة،
تنفيذا لأمر الله تعالى: ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هـم المفلحون ) (آل عمران:104) ، وقوله تعالى: ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) (المائدة:2) .
فلا بد للمسلمين من تجميع طاقاتهم وتنظيمها حتى [ ص: 167 ] تتحول إلى قوة إيجابية فعالة تساند الحق وتقف في وجه الباطل.
هذا بالاضافة إلى أن الحسبة التطوعية بحكمها التكليفي، وهو حسب رأي جمهور الفقهاء [27] فرض كفاية ، تؤيد إنشاء المؤسسات والجمعيات الأهلية. وبيان ذلك، أن الواجب الكفائي يعني أن على القادر القيام بالمطلوب ومباشرته، فإذا قام به "البعض" سقط الإثم عن الآخرين. وهذا لا يقلل من شأن الواجب الكفائي، وإنما يعلي من مكانته، فهو يقوم برعاية المصالح العامة للمجتمع، كما قال الشاطبي : «وذلك أن الكفائي قيام بمصالح عامة لجميع الخلق» [28] .
وقال العز بن عبد السلام : «واعلم أن المقصود بفرض الكفاية تحصيل المصالح ودرء المفاسد دون ابتلاء الأعيان بتكليفه. والمقصود بتكليف الأعيان حصول المصلحة لكل واحد من المكلفين على حدته؛ لتظهر طاعته أو معصيته، لذلك لا يسقط فرض العين إلا بفعل المكلف به، ويسقط فرض الكفاية بفعل القائمين به دون من كلف به في امتداد الأمر. أما سقوطه عن فاعليه؛ فلأنهم قاموا بتحصيل مصلحته، وأما سقوطه عن الباقين فلتعذر التكليف» [29] . [ ص: 168 ]
وإذا كان الواجب الكفائي يتعلق بالمصالح العامة؛ فإنه يجعل ذلك الواجب واجبا عاما يلقي على عاتق المسلمين جميعا القيام به، فالقادر على القيام به يباشره بنفسه، وغير القادر يحمل القادر على مباشرته، كما قال الشيخ محمد الخضري : « الواجبات الكفائية إذا ورد من الشارع طلب شيء منها، فإنما يوجه إلى "البعض" القادر على العمل، وعلى بقية الأمة أن تحمل هـؤلاء على العمل إذا هـم تهاونوا في القيام به.. فالمستعدون مكلفون بمباشرة العمل، والباقون مكلفون بحمل القادرين على العمل بمباشرته» [30] .
وعليه، فإن مفهوم واجب الكفاية يتسع ليشمل وجوب تشكيل مؤسسات أهلية للقيام بمصالح الناس عامة. ومن المؤسسات التي تدخل تحت الكفاية المؤسسات الفكرية، ومراكز الدراسات التي تعنى بإصدار النشرات والدوريات البحثية المتخصصة. وقد عد الزركشي تصنيف الكتب العلمية ضمن مجالات فروض الكفاية ، فقال: «تصنيف كتب العلم لمن منحه الله تعالى فهما وإطلاعا، ولن تزال هـذه الأمة مع قصر أعمارها في ازدياد وترق في المواهب» [31] . [ ص: 169 ]
ومنها: المؤسسات الاجتماعية التي ترمي إلى سد الخلات ودفع حاجات المحتاجين، وإغاثة الملهوفين، وإنقاذ الغرقى، وغير ذلك. ومنها: المؤسسات التطوعية لإصلاح المرافق العامة في حالة عجز ميزانية الدولة عن سد نفقات الإصلاح: كإصلاح شرب بلد تعطل، أو سور مدينة انهدم، كما قال الماوردي : «فإن كان في بيت المال مال، لزم إصلاح ما تعطل من بيت المال؛ لأنها حقوق تلزم بيت المال. فأما إذا أعوز بيت المال كان الأمر ببناء سورهم وإصلاح شربهم وعمارة مساجدهم وجوامعهم ومراعاة بني السبيل فيهم متوجها إلى كافة ذوي المكنة منهم، ولا يتعين أحدهم في الأمر به، وإن شرع ذوو المكنة في عملهم وفي مراعاة بني السبيل وباشروا القيام به سقط عن المحتسب حق الأمر به، ولم يلزمهم الاستئذان في مراعاة بني السبيل ولا في بناء ما كان مهدوما. ولكن لو أرادوا هـدم ما يعيدون بناءه من المسترم والمستهدم لم يكن لهم الإقدام على هـدمه فيما عم أهل البلد من سوره وجامعهم إلا باستئذان ولي الأمر دون المحتسب ليأذن لهم في هـدمه..» [32] .
ومنها: النقابات المهنية والحرفية، فقد أشارت كتب الحسبة إلى ضرورة وجود عريف في كل صنعة من صالح أهلها، خبيرا [ ص: 170 ] بصناعتهم، بصيرا بغشوشهم وتدليسهم، مشهورا بالثقة والأمانة، مشرفا على أحوالهم، ويطالع المحتسب بأخبارهم [33] .
وإذا كان اتباع الطرق السليمة عنصرا أساسيا في المجتمع المدني، فإن المتطوعين بالحسبة يباشرونها بالطرق السليمة في تلك المؤسسات، فليس لهم أن يعزروا ويعاقبوا في المنكرات الظاهرة، وإنما لهم النصيحة والوعظ والحوار والمجادلة وغير ذلك من الوسائل السلمية؛ لأن إعطاء صلاحيات تنفيذ العقوبات للمتطوعين وآحاد الناس يثير الفوضى والاضطراب في المجتمع الإسلامي، ويؤدي إلى مفاسد كثيرة، وهو افتيات على الإمام، كما قال ابن عبد السلام : «تولي الآحاد لما يختص بالأئمة مفسدة» [34] ، هـذا إذا كان الإمام مطبقا لأحكام الشريعة الإسلامية وملتزما بها. أما إذا كان جائرا أو غير مطبق لأحكام الشريعة، فقد أجاز الفقهاء لآحاد الناس تولي ما يختص بالأئمة في الأموال خاصة، فلهم أن يوزعوها، ويضعوها في مواضعها، كما قال ابن عبد السلام [35] : «يجوز - يقصد تولي آحاد الناس- لما يختص [ ص: 171 ] بالأئمة في الأموال إذا كان الإمام جائرا، يضع الحق في غير مستحقه تحصيلا لمصلحة ذلك الحق الذي لو دفع إلى الإمام الجائر ولكان دفعه إليه إعانة على العصيان» ،
وقال تعالى: ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) (المائدة:2) .
ولا شك أن هـذه المؤسسات الأهلية السلمية المحتسبة، هـي التي تنشئ العمل الجاد المثمر، القادر على حماية حقوق الإنسان أكثر من المؤسسات الرسمية؛ لأنها تكون مستقلة عن السياسة المحلية للدولة، فلا تدور في فلكها، وإنما تدور في فلك مصلحة الأمة، ولأنها تعتمد في الغالب على أناس مخلصين يفرزهم العمل ويبرزهم الميدان، وبالتالي يكونون محل ثقة الناس واحترامهم وتقديرهم. هـذا في الأعم الأغلب، وإلا فقد يوجد بين القائمين على المؤسسات الرسمية من يفوق العاملين في المؤسسات الأهلية إخلاصا لله وغيرة على دينه. [ ص: 172 ]