بينما تقوم الافتراضات الأساسية لعلم النفس على أن السلوك يمكن السيطرة عليه من قوى داخل الفرد، فإن العلوم الاجتماعية الأخرى تفترض أن قدرا كبيرا من السلوك الإنساني، تشكله قوى من خارج الفرد [1] .
ويؤكد علم دراسة المجتمعات البشرية التأثير القوي للثقافة على السلوك، بينما يهتم علم السياسة بدراسة هـياكل الحكم وممارسة السلطة، أما علم الاجتماع فإنه يدرس تأثير النظام الاجتماعي على سلوك الجماعة. وتقدم كل هـذه العلوم أسـاسا للتنبؤ بطبيعة العمل البشري.
وهكذا لا يوجد شك كبير في أن كلا من العوامل الاجتماعية والثقافية تشكل خطوطا توجيهية للسلوك البشري، ولهذا السبب فإن مثل هـذه العوامل الخارجية يمكن أن تهيئ أساسا للإقناع، مع افتراض أنه يمكن للفرد تحديدها أو التحكم فيها [2] . [ ص: 40 ]
إن ما تتطلبه استراتيجية ثقافية اجتماعية فعالة هـو أن تحدد رسائل الإقناع للفرد قواعد السلوك الاجتماعي، أو المتطلبات الثقافية للعمل الذي يحكم الأنشطة، التي يحاول رجل الإعلام أن يحدثها، وإذا كانت التحديات موجودة فعلا تصبح المهمة هـي إعادة تحديد هـذه المتطلبات.
وتستخدم الدول الأجنبية هـذه الاستراتيجية لبث ثقافتها وتقاليدها في البلدان الأخرى، وهذا يعني أن الرسالة الإعلامية تعمل على تعميم ثقافة تلك الدولة وقيمها، وتقيم بالتالي لغة مشتركة بين البلدين، تسهل للطرف الأقوى فرض سيطرته على الطرف الأضعف، ويبدو أن العالم الإسلامي اليوم يشكل الطرف الأضعف، حيث تتم السيطرة الثقافية عليه عبر الآتي [3] :
- نشر قيم النظام الرأسمالي في الدول المسيطرة عبر البرامج المنوعة، وصولا إلى الأفلام والتحقيقات، فضلا عن المباريات والتحيز المباشر لهذا النظام في الأخبار والتعليقات.
- تصدير فلسفات عمل عبر الشركات الكبرى، وهي الوحدات التنظيمية الأساسية في الاقتصاد الرأسـمالي العالمي الحديث، هـذا [ ص: 41 ] التصدير تقوم به وسائل الإعلام الغربية، ونعمل نحن على استقباله في الديار الإسلامية.
- تعزيز الاتجاه المهني في قيم العمل وسلوكياته، الأمر الذي يؤدي إلى فرض قيود تقاوم التغيير في النظام العام.
- نشر عادات وتقاليد المجتمعات الصناعية المتقدمة.
ويساعد على تدعيم هـذه السيطرة وتثبيتها التدفق الحر للمعلومات، وضخامة الإنتاج للشركات الإعلامية العالمية الكبرى.
وتتخذ الاستراتيجية الثقافية الاجتماعية الشكل الآتي: