الفصل الأول
منهجـية الحوار
من الطبيعي جدا في حياة البشر أن يختلفوا في وجهات النظر، ويتباينوا في الآراء والأفكار، فهذا ليس عيبا علميا ولا خطأ منهجيا، بل هـو في الحقيقة خطوة جادة في طريق تصحيح المفاهيم والوصول إلى الحقيقة، فليس من الشر أن يختلف الناس في مفاهيمهم، ولكن الشر في الإصرار على الخطأ والاستمرار فيه.
إن ظروف الحياة وما يحيط بها من تقلبات وتغيرات عامل أساس من العوامل التي تدعو إلى الاختلاف في الرأي والتباين في التفكير، وإن الطريق الصحيح لمعالجة تلك الاختلافات هـو الاحتكام إلى الحق، وهو طريق سـهل ويسـير إذا صدقت النفوس في التوجه إليه، وقد ثبت جليا أن أقـرب طريق للوصول إلى الحق هـو الحوار العقلي المجرد عن اتباع الهوى، ولا بد لهذا الحوار من منهجية علمية تعتمد أسـس وقواعد البحث العلمي في الوصول إلى الحقيقة، ومعالجة أسباب الخلاف وتسويته.
ولأن الحوار مساجلة كلامية تجري بين طرفين أو أكثر في موضوع عقائدي أو علمي أو أدبي، ويتم إجراؤه في مـنتدى أو مؤسـسة ثقافـية [ ص: 47 ] أو جمعية علمية، أو عن طريق وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وهو في صورة أخرى كلام مطبوع في صحيفة أو مجلة أو كتاب ليكون على شكل عرض وجهات نظر أو تعقيبات أو مداخلات، فإن كل هـذا يستوجب توفر مجموعة من القواعد والشروط لغرض تحقيق الأهداف التي تم إجراء الحوار من أجلها.
ويكتسب الحوار أهميته من ماهية أو طبيعة الموضوعات التي يتم تناولها، وخطورة القضايا المثارة، أو بسـبب الثقافة العميقة للمتحاورين، أو من خلال المركز العلمي والفكري التي يتمـتع بـها كل طرف من أطراف ذلك الحوار.
ومن هـنا فإن البحث في منهجية الحـوار يتطلب منا الوقوف على جملة من المحاور الأساس التي تتضمنها تلك المساجلة الكلامية، ابتداء من أركان الحوار مرورا بأسـسه وعناصره التي يقوم عليها، والشروط التي يجب أن تتوفر فيه، وانتهاء بالآداب التي ينبغي أن يتمـتع بـها كل طـرف، ومن ثم البحث في المعوقـات التي تقف حـائلا دون إتمام المحاورة.. وتأسيسا على ذلك، فسوف نتناول في هـذا الفصل هـذه المعطيات جميعا وفقا للمباحث الآتية:
المبحث الأول: مقومات الحوار (أركانه وقواعده) .
المبحث الثاني: شروط الحوار وآدابه (آداب الحوار ومعوقاته) .
المبحث الثالث: معوقات الحـوار (بين الحوار والمواجهة) . [ ص: 48 ]