الحوار بين العروبة والإسلام
الحـوار حول العروبة والإسلام حوار قديم في تاريخ الفكر العربي الإسلامي ويمثل جبهة من جبهات الصراع الداخلي في مجتمعاتنا وبلداننا العربية والإسلامية، وإذا أردنا أن نقف على ملامح هـذا النوع من الحوار فإن ذلك يتطلب تحديد مفهوم عدد من الألفاظ والمصطلحات؛ لأن التجربة أثبتت أن التساهل في استعمال المصطلحات يفتح الأبواب لمعارك وهمية وصراعات بين فرقاء غير مختلفين، ولأنه لا يمكن الوقوف على شـكل [ ص: 126 ] العلاقة وطبيعة الحوار لأي جانب من جوانب المعرفة إلا بعد تحديد المفاهيم، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره، ومن هـنا فإننا سنحاول تحديد مفهوم كل من العروبة والإسلام لنستطيع من خلال ذلك الوصول إلى تحديد شكل العلاقة وطبيعة الحوار بينهما.
فالعروبة: «تعبير عن الانتماء إلى أمة لها مقومات مشتركة أبرزها اللغة والتاريخ والمصير المشترك، وهي بـهذا المفهوم ليس مـذهبا ولا فلسـفة ولا فكرا، وإنما هـي واقعة اجتماعية ونفسية ذات جذور تاريخية.. ومن هـنا فإن انتماء الجزائري أو المصري أو السوري أو البحريني أو العراقي إلى الأمة العربية لا يمثل انتماء لمذهب سياسي أو صياغة فكرية معينة وإنما هـو جزء من ارتباط عصبي بالمجتمع العربي.
[1]
أما الإسلام: فهو دين الأنبياء والمرسلين من لدن آدم عليه السلام وحتى رسالة محمد صلى الله عليه وسلم الذي ختم الله به الرسالات استنادا إلى قوله تعالى:
( إن الدين عند الله الإسلام ) (آل عمران:19)
وهو بهذا دعوة شاملة ونظام متكامل يقيم حياة الناس على أساس من الأصول العقائدية والفكرية والتنظيمية التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خاتما للأديان، مفصلا إياها عن طريق الوحي قرآنا يتلى ويعمل به، وسنة تروى وتتبع.
ومن البديهي القول: إن الله تعالى اختار العرب لحمل رسالة الإسلام بناء على ما يتمتعون به من المواهب والقدرات العقلية التي تحتاجها عملية [ ص: 127 ] حمل الرسالة وتأديتها، ولعل أبرز الأدلة على قوة العقلية العربية تلك اللغة التي جعلها الله وعاء للقرآن الكريم مما يدل على نضوج فكري ورقي عقلي، أهلها لاحتواء أسـاليب القرآن الكريم وأغراضه المتعددة من تشريعات ونظم وقصص وأمثال وغيرها
[2] ، الأمر الذي جعلهم مؤهلين للإيمان به وفهم أحكامه ومستعدين للدفاع عنه وقادرين على نشره، كما أثبتت الوقائع التاريخية اللاحقة لظهوره.
ولهذه الأسباب حق للعرب أن يفخروا بانتمائهم الإسلامي، فالعربية لسان الإسلام ووعاء ثقافته ولغة كتابه وسنته، والعرب هـم عصبة الإسلام، وهم الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنفسهم يتلو عليهم آيات الله ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، لينطلقوا في الأمم دعاة ومعلمين، وأرض العرب هـي أرض المقدسات الإسلامية «المسجد الحرام» قبلة أهل الإسلام، نحو شطره يوجهون عبادتهم وإليه يحجون، وبه يطوفون، ومن حوله يسعون ويقفون، وفيها أيضا مسجد النبي صلى الله عليه وسلم مركز العلم الأول للأمة ومثوى رفاته الشريف، وفيها كذلك المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله.
[3] [ ص: 128 ]
ومن هـنا كانت العروبة وثيقة الصلة بالإسلام، كما أن الإسلام موصول الرحم بالعروبة، فهو الذي علم العرب من جهالة، وهداهم من ضلالة، وأخرجهم من ظلمات الشرك والجاهلية إلى نور الإسلام والتوحيد، وهو الذي وحدهم بعد فرقة وجمعهم من شتات القبيلة، وأكرمهم بنعمة الأخوة وألف بين قلوبهم فأصبحوا بنعمة الله إخوانا، وجعل منهم أمة تواجه أعتى أمم الأرض بدينها الذي أصبحت تباهي به وتعتز بقيمه وتنتصر له.
[4]
إن تعدد الشعوب في الأمة المسلمة لا يجعل منها مشكلة إذا كان الإسلام هـو الموجه لها والحاكم لتصرفاتها، فالإسلام يذيب الفوارق بين مختلف الشعوب التي تدين به، ويصهر الجميع في بوتقته، ليصبح الاختلاف عندئذ اختلاف تنوع وإثراء لا اختلاف تضاد وصراع، باعتبار أن ولاء الجميع لله ولرسوله وللمؤمنين، وأن تباين وجهات النظر بين شعوب الأمة لا يلغي اعتزازهم بهذا الدين الذي أكرمهم الله به وارتضاه لهم
( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) (المائدة:3) .
وبناء على هـذه المعطيات، التي أشرنا إليها، فإنه لا تناقض بين الوطنية والقومية والإسـلامية والعالمية إذا وضع كل منها في موضعه الصحيح، وفق الفهم والمنهج الإسلامي، إنما ترفض الوطنية والقومية إذا جعلناها بديلا عن الإسـلام أو طعمناها بعناصـر غريبة عـنها معادية للإسلام أو مناقضة لعقيدته وشريعته مثل «العلمانية» أو «المادية» التي تتضمن محتوى أيدلوجيا بعيدا عن فكر الإسلام ونظرته للحياة.
[5] [ ص: 129 ] إن المسـلم الحق هـو الوطني المخلص، وهو القومي المناضل، وهو العالمي الأصيل، وقد أثبت التاريخ المعاصر أن أبطـال الوطـنية في بلادنا العـربية والإسلامية كانوا إسلاميين أمثال الأمير عبد القادر في الجزائر ، وأحمد عرابي في مصر ، وعمر المختار في ليبيا ، وعبد الكريم الخطابي في المغرب ، وأمين الحسيني في فلسطين ، والشيخ ضاري المحمود في العراق ، ومحمد ناصر في أندونيسيا وأبو الكلام آزاد في الهند ، وأبو الأعلى المودودي في باكستان ، وغيرهم الكثير، مما يثبت أنه لا يوجد تقاطع كبير بين الخصوصية القومية أو الوطنية وبين الالتقاء تحت مظلة الإسلام باعتباره الوطن الأكبر لأبناء الأمة.