الوسيلة الثانية
الكشف عن السنن الاجتماعية الكونية
السنة في اللغة هي السيرة والطريقة، حسنة كانت أو قبيحة [1] . وفي الحديث ( عن النبي صلى الله عليه وسلم: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ) [2] .
وأما لفظ السنة في القرآن فيراد به القانون [3] المطرد، أو تلك القوانين العامة التي تحكم حياة المجتمعات، ويمكن في ضوئها تفسير الحركة التاريخية والاجتماعية؛ بحيث نستطيع الوصول إلى تعليلات صحيحة وواقعية، تفسر أسباب نهوض الأمم، وأسباب سقوطها.
ولأن المجتمعات الإنسـانية كلها تخضـع لتلك القـوانين والسنن، فإنـها توصف بـ (الكونية)، وهو ما يعني وصفها بالعمـوم والشمول، [ ص: 62 ] لأنهـا لا تفرق بين مجتمع وآخر بسبب الاختـلاف في الدين، أو الجنس، أو اللغة، أو اللون، أو الزمان، أو المكان.
والقوانين الاجتماعية الكونية -كما جاء في موسوعة علم الاجتماع- هي: «الأحكام المنطقية التي تفسر الظواهر الاجتماعية تفسيرا عقلانيا موزونا يحظى بدرجة كبيرة من العلمية والموضوعية؛ وصحة القوانين الاجتماعية الكونية تكون في جميع الأزمنة والأمكنة، علما بأن الصحة هي نسبية وليست مطلقة» [4] .
وهذا التعريف يتحدث عن تلك القوانين التي قد يستنبطها بعض علماء الاجتماع من خلال ملاحظتهم ومتابعتهم للحركة التاريخية والاجتماعية، وأما القوانين الاجتماعية الكونية التي يذكرها القرآن ويعبر عنها بلفظ (السنن) فإنها قوانين مطلقة في صحتها، وثابتة في نتائجها،
قال تعالى: ( ( سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ) ) (الأحزاب:62).
وقال سبحانه: ( ( فهل ينظرون إلا سنت الأولين فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا ) ) (فاطر:43).
ويمكننا ملاحظة هذا المعنى بوضوح من خلال التعريفين الآتيين بالسنن الاجتماعية الكونية المذكورة في القرآن الكريم: [ ص: 63 ]
التعريف الأول: «هي تلك القوانين الاجتماعية الكونية التي تنظم حياة الناس، وينتج عنها سعادتهم أو شقاؤهم، وهي كالمادية لا تتغير، ولا تتبدل، وتنطبق على الأفراد كما تنطبق على المجتمعات» [5] .
التعريف الثاني: «هي الطريقة المتبعة في معاملة الله تعالى للبشر بناء على سلوكهم وأفعالهم ومواقفهم من شرع الله وأنبيائه، وما يترتب على ذلك من نتائج في الدنيا والآخرة» [6] .
والمقصود أن هنالك سننا مطردة، وقوانين عامة تحكم حركة الحياة الاجتماعية، ومن تلك السنن ما يكون سببا للرقي والتقدم والقوة والرفعة والنصر، ومنها ما يكون سببا للتخلف والانحطاط والضعف والهزيمة، وهذه السنن لا تحابي أحدا لدينه أو لجنسه أو للونه أو لأي اعتبارات أخرى، ولكنها تعطي نتائجها سـلبا وإيجابا لكل من يأخذ بها، ودونما تحيز، فمن أخذ بالسنن المؤدية إلى الضعف والهوان والهلاك أصابه الضعف والهوان والهلاك، ومن أخذ بالسنن المؤدية إلى القوة والرفعة والتمكين ناله نصيبه من القوة والرفعة والتمكين، والقرآن يؤكد ذلك في أكثر من موضع، كما في قوله سبحانه: [ ص: 64 ]
- ( ( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنت الأولين ) ) (الأنفال:38).
- ( ( ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب ) ) (الرعد:6).
- ( ( أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون ) ) (يوسف:109).
- ( ( وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال ) ) (إبراهيم:45).
- ( ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ولقد جاء آل فرعون النذر كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر ) ) (القمر:40-43).
- ( ( قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) ) (آل عمران:137).
فهذه الآيات فيها وعيد وتحذير للكافرين أنهم ليسوا بمنأى عن سنن الله، بل ما حل بمن قبلهم من الكافرين سيحل بهم إذا هم استمروا على عنادهم وكفرهم؛ لأن سنن الله لا تحابي أحدا، ومن ذلك سنته في إهلاك الكافرين والظالمين والمكذبين. [ ص: 65 ]