المطلب الأول: موقع راويات الحديث في مجتمع الصحابة:
إن أعلى نسبة عثرت عليها في المصادر والمراجع لعدد سكان المجتمع النبوي هي كما قال أبو زرعة الرازي: "توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان" [1] ، هذا باستثناء من لم يره. وسنركز في هذا الكتاب على النخبة، التي باركها وشكلها الرسول صلى الله عليه وسلم والتي شملت الجنسين، الرجل والمرأة، حتى تكون خير خـلف لموقـع الرسول صلى الله عليه وسلم . وسيتبين لنا أنه لم يخلف رجالا فقط لتولي مسؤولية ذلك الموقع. وبعبارات أوضح فلقد كلف الله عز وجل رسوله بتبليغ رسالته، فكان القرآن ينـزل بالتدريج حسب الظروف والوقائع. بعض الظروف ثابتة تتكرر عبر الزمن، وبعضهـا متغير. ومالم ينـزل فيه قرآن كان للرسول صلى الله عليه وسلم فيه قول أو فعل، أو تقرير.
وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم حمل علمه نخبة من الصحابة والصحابيات تربوا في مدرسته حتى يتولوا عملية الاجتهاد لفهم الواقع وإدراجه تحت النصوص، أي النظر في الأمور المستجدة في عصرهم بناء على ماورثوه منه من علم.
غير أن النخبـة في المجتمـع النبوي تحتوي على فئات مختلفة. فنجد النخبة العامة ويندرج ضمنها كل حملة آثار النبي صلى الله عليه وسلم ، يعني من روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس أكثر، ومن ضمن الفئة نفسها من كان يشتهر بصناعة مثل أم المؤمنين زينب، رضي الله عنها، كانت تروي عن رسـول الله واشتهرت أنها كانت امرأة صنـاع. وهناك النخبة الخاصة وهي الفئة التي تروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم وتجتهد في مستجدات الأمور، وهذا ما سيتبين بوضوح كما سيأتي. [ ص: 72 ]
نسبة سكان المجتمع النبوي: [2]
قام الذهبي [3] في كتابه "تجريد أسماء الصحابة" بتجريد كل أسماء الصحابة والصحابيات مستفيدا من مصنف ابن الأثير، الذي استقصى مادته من الكتب الأربعة المصنفة في معرفة الصحابة. وزاد عليها الذهبي من مصادر أخرى كثيرة. عن عدد الصحابة بالتحديد ذكر الأعداد المتباينة التي جاءت في أقوال العديد من العلماء حسب ماورد في مقدمته: قال الشافعي: توفي النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون ستون ألفا. ثلاثون ألفا بالمدينة وثلاثون ألفا بغيرها. وقال أبو زرعة الرازي [4] توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان [5] . قال الحاكم روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف نفس. وقال الذهبي بل لعل الرواية عنه نحو ألف وخمسمائة نفس لا يبلغون ألفـين أبدا... وأظن أن المذكورين في كتابي هذا (يقصد من روى عنه ومن لم يرو) يبلغون ثمانية ألف نفس وأكثرهم لا يعرفون" [6] . وحسب الترقيم الذي أدخل على كتابه فإن عدد أسماء الصحابة الذين ذكرهم هم 8866 اسمـا؛ 7601 صحابيا و1265 صحابية. يعني هذا [ ص: 73 ] قريب من تسعة آلاف. ولقد أشار في كلامه إلى أنه لم يكن متأكدا بل بناه على الظن. كما أشار إلى أن أكثرهم لا يعرفون، يعني فيهم من لم تثبت صحبته.
أما عدد الصحابة المذكورين في الإصابة للحافظ ابن حجر فقد بلغ 12304 نفسا، بما فيهم عدد 11422 صحابيا ممن لم تثبت صحبتهم، و1552 صحابية [7] . وقد اعترف ابن حجر بعد أن ذكر من سبقه في التأليف في هذا البحث أنه لم يحصل له الوقوف على العشر من أسامي الصحابة بالنسبة إلى ما جاء عن أبي زرعة. وأشار ابن حجر أيضا إلى أنه قرأ للذهبي بأن جملة من في أسد الغابة (لابن الأثير) سبعة آلاف وخمسمائة وأربعة وخمسون نفسا (7554) وفيهم من لم تثبت صحتهم [8] . غير أن الطبعة التي صححها الشيخ أحمـد الرفاعي [9] وأدخل على أسمـاء الصحابة الترقيم بلغ العدد (7704) يعني (6681 صحابيا، و1023 صحابية). ولقد صح عن الثوري (ت161هـ) [10] ، كما أورد ابن حجر أيضا أنه قدر عدد الصحابة حين وفاة عمر، رضي الله عنه، باثني عشر ألفا (12000) من الصحابة [11] .
وحسب تقرير الدكتور أكرم [12] فإن العدد الذي ذكره الشافعي يتنافى مع قول أبي زرعة السابق وقوله: "شهد حجة الوداع أربعون ألفا، وكان معه [ ص: 74 ] بتبوك سبعون ألفا". وخلص في النهاية إلى أن أقصى تقدير لعدد الصحابة يتجاوز المائة ألف وهو تقدير أبي زرعة، ثـم أشار إلى أن القصـد من قول أبي زرعة "رآه وسمع منه" أي أن هذا العدد يمثل من لهم سماع ومن لهم رؤية وليس لهم سماع. فلا يمثل هذا العدد حصرا للصحابة الرواة. هذا الكلام يصح على الرواية التي أوردها الذهبـي، لكن إذا رجعنـا إلى الرواية التي ذكرها ابن حجر (كلهم قد روى عنه سماعا أو رؤية) تدل على أن هذا العدد يشمل الصحابة الرواة وليس جملة الصحابة كما ذكر ابن فتحون [13] .
وأشار الدكتور أكرم أيضا إلى أن تعليق الذهبي على الحاكم عن عدد الرواة والذي مفاده 1500 ولا يصل 2000 أبدا، هو أقرب للصحة. بدليل قائمة الرواة التي نظمها ابن الجوزي والتي بلغت 1858 (1642 صحابيا و216 صحابية) وفيهم من لا تصح روايته. وبناء على الإحصـائيات التي قام بها الدكتور حيث قد جمع بين عدد الصحابة الذين خرج لهم الإمام أحمد في مسنده وعددهم (904) وعدد الصحابة الذين أضافهم بقي بن مخلد في مسنده ممن لم يخرج لهم الإمام أحمد وعددهم (87) ثم الذين أضافهم الإمام ابن القيم من مختلف المصادر وعددهم 6، فإن عدد الصحابة الرواة يبلغ 1565 صحابيا- وفيهم عدد ممن اختلف في صحبتهم [14] .
ومنه نخلص إلى القول: إن نسبة سكان المجتمع النبوي فيها تباين واضح، فيصعب حسم الأمر بتحديد العدد بشكل قطعي؛ لأنه كما يبدو من سياق [ ص: 75 ] الحديث، فإن تحديد عدد الصحابة والصحابيات ارتبط خصوصا بعدد الرواة، فأعلى نسبة وردت هي لأبي زرعة والتي تتجاوز مائة ألف (100.000)، وكلهم كما قال قد روى عنه سماعا أو رؤية. ولا ندري إلى أي مدى تكون صحة هذه النسبة، على الرغم من أن أبا زرعة يعد من الحفاظ [15] ؛ وتعد هذه النسبة هي الأقدم من الناحية الزمنية؛ وأقل نسبة وردت هي (1565) بناء على الروايات التي خرج لها الأئمة. وهذه النسبة هي أحدث إحصائية من الناحية الزمنية أيضا. فيمكن أن نخلص إلى أن نسبة عدد الرواة شهد تراجعا تدريجيا، وأن العلماء المشتغلين بالأمر كان كل منهم يتولى تنقيح أعمال من سبقه، لنصل إلى آخر عدد وهو 1565 راويا.
وأعلى نسبة وردت عن نسبة عدد الصحابة عامة، أي بما فيها الرواة وغيرهم، هي 60.000 صحابيا، وأقل نسبة هي 7704 صحابيا، كما جاء في "أسد الغابة"، لكن هذه المرة نلاحظ أن أقدم إحصائية وصلتنا تاريخيا هي (12000) للثوري، ثم ترتفع فجأة إلى (60000) عند الشافعي، ثم تنـزل إلى (7704) لابن الأثير (630هـ)، ثم ترتفع للمرة الثانية مع الذهبي (748هـ) إلى (8866) ثم ترجع إلى ما يقارب الإحصائية الأولى لتصل إلى (12304) لابن حجر، وهي أحدث إحصائية عن عامة الصحابة، أي بمافيهم الرواة وغيرهم.
ويرجع سبب هذا التغير في الأرقام إلى حرص العلماء على الاستفادة من بعضهم بعضا، كما رأينا مع الذهبي الذي رجع إلى "أسد الغابة"، وذكر بأن [ ص: 76 ] ابن الأثير رجع إلى كتب معرفة الصحابة. ولقد أشار إلى الزيادات التي أوردها في كتابه وخاصة في النساء. وجاء بعده ابن حجر ليكتب بدل تجريد أسماء الصحابة -الذي يشمل الأسماء عامة بدون تمييز- كتابه الذي أطلق عليه اسم "الإصابة في تمييز الصحابة"، قصد منه تمييز الصحابة عن غيرهم، بعد أن ذكر وعلق على من سبقه في هذا التأليف. فعندما ذكر كتاب "الاستيعاب" لصاحبه عمر بن عبد البر علق عليه بأن هذا الكاتب ظن أنه استوعب ما في كتب من قبله غير أنه فاته الكثير بدليل أن الكثير من العلماء ذيلوا عليه في تصانيف مختلفة. وعندما وصل إلى ابن الأثير في كتابه "أسد الغابة" أثنى عليه ثم انتقده في كونه تبع من قبله فخلط من ليس صحابيا ولم يشر إلى الأوهام التي وردت في كتبهم. وأخيرا لما وصل إلى كتاب الذهبي [16] أشار إلى الفرق بينه وبين عمله، فذكر أنه استطاع بالتتبع أن يذكر كثيرا من الأسماء التي ليست في كتابه. فجمع هو، أي ابن حجر، كتابا كبيرا ميز فيه الصحابة من غيرهم، أي من لم تثبت صحبته ومن ذكر في الكتب على سبيل الغلط والوهم [17] .
ويبقى موضوع إحصائية نسبة عدد السكان بشكل نهائي شبه مستحيل، نتيجة التباين الواضح الذي رأيناه. فلا يمكن إثبات العدد الذي ذكره أبو زرعة؛ أو الشافعي؛ أو غيره إلا بقائمة الأسماء. فهذه دعوة تحتاج إلى إثبات. وهذا [ ص: 77 ] ماحاول أن يقوم به باقي العلماء فحاولوا القيام بتجريد قائمة أسماء كل الصحابة. كما فعل ابن الأثير والذهبي وابن حجر، ويبدو أن ابن حجر، استطاع أن يستقصي أكثر مما وصل إليه الذهبي.
وعليه، يمكن اعتبار (12304) هو أقصى عدد وصلت قائمته إلينا وفيهم من لم تثبت صحبته، وفيهم من ذكر غلطا أو وهما. يعني أن عدد الرجال بلغ (11422)، وعدد النساء بلغ (1552).
من جهة لا نستغرب كثيرا إذا لاحظنا أن أقصى تقدير لعدد النساء هو 1552، إذا ما قارناه بعدد الرجال الذين أوردهم ابن حجر وهو 11422، والذي لا يمثل عشر ما ذكره أبو زرعة الذي قدر عدد الرواة بـ (100.000) كما اعترف ابن حجر بذلك. ويبدو أن السبب الرئيس لهذا هو ارتباط تجريد أسماء الصحابة والصحابيات برواية الحديث.
فكل من كانت له علاقة مباشرة أو غير مباشرة، من قريب أو بعيد، برواية السنة بأقسامها الثلاثة، كان له حظ في القائمة التي جردت. مثال على ذلك أمهات المؤمنين وغيرهن، ويندرج ضمن هـذه القائمة أن من كانت له أو لها علاقة قرابة أو غير ذلك بالرواة كان له أو لها حظ في ذلك أيضا. مثلا درة بنت أبي لهب هي ابنة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم لها في المسند من رواية زوجها عنها؛ الربداء بنت عمـرو بن عمـارة البلوية، لها ذكر في مستدرك الغساني؛ أو من ارتبط اسمه بواقعة معينة، مثلا عند إقامة الحدود، أو في عقد البيعة، مثل رغيبة بنت سهل بن ثعـلبة من المبايعـات؛ آسيـة بنت الفرج الجرهمية اعترفت بالزنا، أو من لهم صلة قرابة أو عمل بالنبي صلى الله عليه وسلم ، مثل رزينة خادمة رسول الله صلى الله عليه وسلم روت عنها ابنتها آمة الله. [ ص: 78 ]
وحتى أسماء من ذكرت في قائمة المجهولات ارتبطت بالرواية، مثلا امرأة من بني أسد؛ أوردها الذهبي؛ لأن لها حديثا في الوحدان لابن أبي عاصم، وامرأة بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لها حديث في كتاب ابن أبي عاصم.
وإذا رجعنـا إلى ترتيب الذهبي لأسماء الصحابيات نجـده قد صنفهم كما يلي: في الأول جرد لمن عرف اسمها وفق الترتيب الألفبائي؛ ثم ذكر من عرفت بأخت فلان مثلا أخت الحارث بن سراقة بكت على أخيها يوم بدر؛ وأخت عبد الله بن رواحة لها حديث. ثم ذكر من عرفت ببنت فلان، مثلا بنتا أوس بن ثابت لهما ذكر في سبب نـزول آية الميراث. ثم باب جدة فلان، مثلا جدة حشرج بن زياد الأشجعي، لها حديث في مسند أحمد. ثم ذكر من عرفت بخالة فلان، مثلا خالة زينب بنت نعيط. ثم أورد من عرفت زوجة فلان، ثم عمة فلان، ثم ذكر أخيرا قائمة المجهولات مثل امرأة من بني أسد، لها حديث في الوحدان لابن أبي عاصم [18] .
- حملة علم النبي من الصحابيات:
سبق أن رأينا أن أقصى تقدير لعدد الصحابة الرواة بما فيهم الرجال والنساء هو (100.000) كما ذكر أبو زرعة. وباعتباره من الحفاظ العدول الثقاة لا يمكن تكذيبه. كما لا يمكن الاعتماد على مجرد نقله؛ لأن قائمة أسماء هؤلاء الصحابة غير متوفرة. وهذا مايجعلنا نعتمد القائمة التي جردت فيها أسماء الصحابة الرواة. والتي تتفق مع تقدير الذهبـي الذي أشـار إلى أن عدد [ ص: 79 ] الرواة لا يمكن أن يتجاوز 2000، ويبدو أن القائمة التي تتوفر فيها هذه الشروط هي القائمة التي توصل إليها الدكتور أكرم، كما رأينا سابقا، حيث قدر أن عدد الصحابة الرواة بلغ (1565) صحابيا. غير أنه لم يذكر عدد الصحابيات في هذه القائمة، الأمر الذي جعلني أرجع إلى مقارنة القوائم الآتية لأصل إلى أن عدد الراويات بلغ 292 راوية.
ولقد وجدت في مسند الإمام أحمد [19] ذكر (121) صحابية، (100) منهن عرفت أسماؤهن، و (21) منهن روي عنهن ولم تعرف أسماؤهن. وركزت على من عرفت أسمـاؤهن. ومن (100) صحابية تفرد بـ (20) اسما لصحابية لم يرد لا في قائمة بقي بن مخلد ولا في قائمة ابن حزم [20] ولا في قائمة ابن القيم.
وفي قائمة بقي بن مخلد (124) صحابية. وفي قائمة ابن حزم (120) صحابية. والمجموع الصافي بينهما هو (127) صحابية. يعني (5) صحابيات موجودات عند ابن حزم ولم يذكرهن بقي بن مخلد. و (6) صحابيات موجودات عند بقي ولم يذكرهن ابن حزم، وبذلك فإن القائمتين متقاربتان جـدا. وفي قائمـة ابن القيم (119) (8 منهن لم تذكر في باقي القوائم) فضلا عما تفرد به بدون ذكر عدد الراويات (128) ليكون المجموع هو (247) صحابية. [ ص: 80 ]
وإذا جمعنا بين هذه القوائم الأربع لوجدنا أن عدد الصحابيات اللاتي روين عن النبي، عليه الصلاة والسلام، وهو العدد الصافي بدون تكرار الاسم (292) صحابية. هذا بدون أن ندرج (21) صحابية اللاتي ذكرهن الإمام أحمد واللاتي روى عنهن ولم تعرف أسماؤهن. ويمكن ترتيب عدد مرويات كل صحابية كالآتي:
- روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحاب الألوف راوية واحدة وهي أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها.
- روى عن النبـي صلى الله عليه وسلم من أصحـاب المئتين، أم المؤمنين أم سـلمة، هند بنت أبي أمية المخزومية، رضي الله عنها.
- روى عن النبـي صلى الله عليه وسلم من أصحـاب العشـرات: أسمـاء بنت يزيد ابن السكن؛ أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث؛ أم المؤمنين أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان الأموية؛ أسماء بنت عميس؛ أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب؛ أسماء بنت أبي بكر الصديق؛ وأم هانئ أخت علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم؛ وأم عطية الأنصارية نسيبة بنت الحارث؛ فاطمـة بنت قيس القرشية الفهرية؛ وأم الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية امرأة العباس؛ وأم قيس بنت محصن أخت عكاشة بن محصن.
- ومن أصحاب ثمانية عشر: فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم الهاشمية.
- ومن أصحاب خمسة عشر: خولة بنت حكيم.
- ومن أصحـاب أربعة عشر: أم سليم الرميصاء بنت ملحان الأنصارية؛ الكعبية. [ ص: 81 ]
- ومن أصحاب اثنا عشر: الشفاء بنت عبد الله العدوية؛ سبيعة بنت الحارث الأسلمية وأم الحصين الأحمسية.
- ومن أصحاب أحد عشر: أم المؤمنين زينب بنت جحش الأسدية؛ ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب؛ بسرة بنت صفوان.
- ومن أصحاب العشرة: صفية بنت حيي أم المؤمنين؛ أم هشام بنت حارثة الأنصارية؛ أم مبشـر الأنصارية امـرأة زيد بن حـارثة؛ أم كلثوم بنت عقبة ابن أبي معيط الأموية؛ أم معقـل الأسـدية؛ وأم المؤمنين جويرية بنت الحارث المصطلقية.
- ومن أصحـاب الثمـانية: خولة بنت قيس بن فهـد امرأة حمـزة ابن عبد المطلب؛ زينب بنت أبي معاوية الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود؛ الفريعة بنت مالك أخت أبي سعيـد الخـدري؛ خنسـاء بنت خدام؛ أميمة بنت رقيقة ابن الحارث؛ وأم رميثة.
- ومن أصحاب السبعة: أم خالد وهي بنت خالد بن سعيد بن العاص؛ سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وأم حرام الرميصاء بنت ملحان الأنصارية؛ وزينب بنت أبي سلمة المخزومية؛ أمة بنت خالد؛ أم بجيد (حواء).
- ومن أصحـاب الستـة: أم جندب وهي والـدة سليمان بن عمرو؛ أم العلاء الأنصارية؛ وأم الدرداء.
- ومن أصحاب الخمسة: سودة بنت زمعة أم المؤمنين؛ صفية بنت شيبة؛ أم أيمن بركة بنت ثعلبة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وحاضنته؛ فاطمة بنت اليمان أخت حذيفة؛ خويلة بنت ثعلبة؛ جدامة بنت وهب. [ ص: 82 ]
- ومن أصحاب الأربعة: أم ليلى بنت رواحة الأنصارية؛ أم المنذر؛ بنت كردم؛ روينة؛ حبيبة بنت سهل الأنصارية؛ أم سليمان بن عمرو بن الأحوص؛ أم كردم؛ أم أيوب؛ أم فروة؛ ميمونة بنت سعد؛ أم صبية الجهنية؛ أم شريك العامرية؛ أم عثمان بنت سفيان.
- ومن أصحـاب الثلاثة: الصمـاء بنت بسر؛ فاطمة بنت أبي حبيش؛ أم سعد؛ سلامة؛ أنيسة بنت خبيب بن يساف؛ درة بنت أبي لهب؛ أم حكيم بنت الزبير بن عبد المطلب؛ حمنة بنت جحش؛ أم عمارة الأنصارية؛ أم المنذر بنت قيس الأنصارية؛ ميمونة بنت كردم؛ أم جميل فاطمة بنت المجلل.
- ومن أصحاب الاثنين: ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ميمونة بنت سعد خادمة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أم عبد الله بنت أوس؛ أم الحكم بنت الزبير بن عبد المطلب؛ أم بشر بنت البراء بن معرور؛ السوداء؛ أم معبد؛ مـارية مـولاة النبي؛ أميمة؛ أم ورقة هي بنت عبد الله بن الحارث؛ أم زياد الأشجعية؛ سهلة بنت سهيل العامرية؛ أم طارق مولاة سعد بن عبادة؛ أم عمارة نسيبة بنت كعب الأنصارية؛ أم عبد الرحمن بن طارق؛ أم بلال بنت هلال؛ رائطة امرأة عبد الله بن مسعود؛ رائطة بنت سفيان؛ رميثة بنت عمرو القرشية؛ أم زياد الأشجعية؛ سلامة بنت الحر الفزارية؛ سلمى بنت قيس الأنصارية؛ أم سلمى؛ عائشة بنت قدامة؛ خولة بنت ثامر؛ حبيبة بنت أبي تجراة؛ أم هلال بنت هـلال الأسلمية؛ أم رومان زوجة أبي بكر؛ أم الطفيل امرأة أبي بن كعب.
- ومن أصحاب الواحد: سلمى بنت حمزة بن عبد المطلب؛ الثقفية؛ الصميتة؛ أم الصهباء؛ أم سعد؛ أم إسحاق الغنوية؛ سائبة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 83 ] ؛ كلثوم؛ كبشة؛ خـولة بنت الصـامت؛ أم نصر المحاربية؛ ندبة؛ حبيبة بنت أبي سفيان؛ عزة بنت خابل؛ طعمة بنت جزء؛ قيلة أخرى؛ أم عامر؛ رفيقة؛ بنت حمزة بن أبي طالب أخرى؛ خالدة بنت أنس؛ بقيرة امرأة القعقاع؛ جمرة بنت عبد الله اليربوعية؛ جميلة بنت أبي بن سلول؛ خديجة أم المؤمنين؛ أم كبشة القضاعية؛ الشموس بنت النعمان وهي أم ورقة الأنصارية؛ سراء بنت نبهان؛ بروع بنت واشق؛ أم سنبلة؛ بريرة مولاة عائشة أم المؤمنين؛ خيرة امرأة كعب بن مالك؛ أم جميلة؛ أم سليمان بنت حكيم؛ أم مالك؛ أم أنس؛ حمنة بنت جحش؛ أم هانئ الأنصارية؛ أم الحجاج سرية أسامة؛ أم خالد بنت الأسود؛ سلمى أم رافع مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ أم مالك البهزية؛ سلامة بنت معقل؛ ليلى بنت قانف الثقفية؛ أم حميد الأنصارية امرأة أبي حميد الساعدي؛ قتيلة بنت صيفي الجعفية؛ أم حبيبة بنت جحش؛ حبيبة بنت شريق؛ خولة بنت ثعلبة؛ سعدى بنت عوف؛ أم عامر بنت يزيد بن سكن؛ كبيشة بنت ثابت؛ أم كلثوم بنت أبي سلمة؛ أم مسلم الأشجعية؛ يسيرة أم ياسر؛ أم أيمن حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ حبة بنت خالد؛ حواء؛ خولى؛ أم منيب؛ أم نضر، رضي الله عنهن جميعا.
- عدد الصحابيات الراويات وحجم رواياتهن في الكتب الستة: [21]
لقد بلغ إجمالي الصحابيات الراويات في الكتب الستة جميعها سواء من روين عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة أو من روين عن أحد من الصحابة 115 صحابية [ ص: 84 ] ثابتة الصحبة. وهناك من ذكر 112 مسندا لهن. ولقد جاءت هذه الروايات متفرقة كما يلي:
- روى البخاري عن 31 صحابية في جامعه الصحيح.
- روى مسلم عن 36 صحابية في جامعه الصحيح.
- روى أبو داوود عن 75 صحابية في سننه.
- روى الترمذي عن 46 صحابية في سننه (الجامع).
- روى النسائي عن 65 صحابية في سننه (المجتبى).
- روى ابن ماجه عن 60 صحابية في سننه.
أما حجم رواية النساء في الكتب الستة فهو 2764 رواية. وحجم روايات الصحابيات في الكتب الستة هو 2539 حديثا. ويبدو أن معظم الروايات عند الصحابيات هي لأم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، حيث تروي في مجموع الكتب الستـة فقط 2081 حـديثا. ويبلغ عـدد روايات أم المؤمنين عائشة كلها بلغ 2405 حديثا. وتشير الباحثة آمال قرداش [22] أننا إذا حذفنا روايات عائشة من الكتب الستة فيبقى عدد 458 حديثا ترويه بقية الصحابيات، وذلك يظهر لنا اختلالا في توازن حجم الرواية حيث تتكاثف في [ ص: 85 ] مدة قصيرة والمتمثلة في عصر الصحابة لتضمحل في القرون اللاحقة. وقد لاحظت أن الـ 2081 حديثا التي روتها عائشة، رضي الله عنها، لم ترو منها تلميذات عائشة الأربع والثلاثون سوى 146 حديثا تقريبا، وهذا قدر ضئيل جدا فسرته الباحثة كما يلي:
أ- أن أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، كانت فريدة عصرها، بل كل العصور. ولعل من المستبعد أن توجد من تضاهيها في علمها وحفظها.
ب- أن أصحاب الحديث ممن صنفوا في هذا الفن لم يعتمدوا على كثير من روايات النساء؛ لأنها لم تصلهم عن طرق يرضونها.
ج- أن الحركة العلمية لدى النساء كانت محدودة جدا وغير مشجعة على نطاق واسع بين النساء خاصة في فترة وجود أكبر المحدثات عائشة، رضي الله عنها، وهذا ما ترجحه الباحثة لتفسير هذا التراجع والزهد في المساهمة في هذا العلم.
غير أنني أوافق الباحثة في زاوية وأختلف معها في أخرى. فحقا أن عائشة، رضي الله عنها، كانت فريدة عصرها. ولكن هل يمكن أن نستبعد أن توجد من تضاهيها في علمها وحفظها؟ إذا قلنا بأن الأرحام لم تعد قادرة على إنجاب مثل هذا النوع من النساء نكون قد حكمنا على مثالية المجتمع النبوي المطـلق مما يجعله لا يصلح أنموذجا. وهذا ما جعلني أخصص لها مبحثا خاصا أبين فيه أهمية الموقع النخبوي الذي كانت تحتله، والظروف التي أسهمت في تشكيل عقليتها وصناعتها بوصفها أنموذجا نخبويا لنساء المجتمع المسلم. [ ص: 86 ]
وأما ما رجحته الباحثة عن سبب التراجع والزهد في الإسهام في هذا العلم من أن الحركة العلمية لم تكن تشجع على نطاق واسع بين النساء خاصة في فترة وجود عائشة، رضي الله عنها، فهذا رأي يحتاج إلى تحديد أدق للمدة الزمنية التي تقصدها. فإذا تبنينا القول: إن عدد الرواة من طبقة الصحابة عموما، رجالا ونساء، كان 1565، وعدد الراويات 292 فإن النسبة أراها معقولة وخاصة إذا عرفنا أن الرواة لا ينتمون كلهم إلى هذه الحركة العلمية المنتجة الفعالة كما سيتضح في العنصر القادم.
- الخاصة من حملة العلم النبوي:
رأينا سابقا أن العدد الإجمالي لعدد الرواة من الصحابيات حسب القوائم المذكـورة هو 292 راويـة، ورأينا ترتيبهن حسب كثرة الرواية. ولا يمكن ربط التفاوت بين الصحابيات في كثرة الرواية بسبب تاريخ الوفاة، فقد يظن البعض أن عائشـة، رضي الله عنها، روت أكثر لأنها عمرت أكثر حيث قيل إنها توفيت في عام 57 وقيل 58 هـ. لكن إذا رجعنا إلى تاريخ وفاة باقي أمهات المؤمنين مثلا يبدو لنا غير ذلك، على الرغم من الاختلاف المتباين حول تاريخ وفاة بعضهن [23] .
وأم المؤمنين أم سـلمة، رضي الله عنها، آخر من توفى من أمهات المؤمنين، وذلك عام 59 أو 61 هـ، يعني بعد السيدة عائشة، رضي الله عنها؛ وأم سلمة لم ترو أكثر من (378) حديثا. وتوفيت أم المؤمنين جويرية عام50هـ وقيل 56 هـ، أي قبل 7 سنوات أو عامين من وفاة عائشة. وكما رأينا فإن جويرية [ ص: 87 ] لم ترو إلا (7) أحاديث فقط. وهناك من أمهات المؤمنين من روت أكثر منها وتوفيت قبلها. فلقد توفيت أم المؤمنين حفصة عام 41 وقيل 45 هـ وروت (60) حديثا. وتوفيت أم حبيبة عام 44 هـ وروت (65) حديثا. وتوفيت أم المؤمنين زينب بنت جحش قبل جويرية بـ 36 سنة وذلك عام 20 هجري وروت أكثر منها حيث روت (11) حديثا، والفارق بين تاريخ وفاتهما 36 سنة. ولقد توفيت أم المؤمنين سودة بنت زمعة عام 54 هـ وروت (5) أحاديث فقط فيما روت أم المؤمنين حفصة (65) حديثا وتوفيت قبلها بـ 10 سنوات، أي عام 44 هجري.
ترجع الباحثة قرداش سبب كثرة رواية أم المؤمنين ميمونة مثلا مقارنة بغيرها على الرغم من مكثها مع رسول الله ثلاثة سنوات إلى سببين [24] :
- تأخر وفاتها، رضي الله عنها (51هـ).
- كون أحد المكثرين من الرواية من محارمها وهو ابن عباس، الأمر الذي يسهل عليه الدخول عليها وسؤالها في القضايا المختلفة، إذ أن أمهات المؤمنين كانت لهن حرمة خاصة.
قد يكون السبب الثاني معقـولا أما السبب الأول فهنـاك من الأدلـة ما ينفيه. في البداية لا يمكن الجزم بأن تاريخ وفاتها سنة 51هـ؛ لأن العلماء قد اختلفوا حول ذلك وثبت أنها توفيت قبل عائشة، رضي الله عنهن. وفرضا لو [ ص: 88 ] قلنا: إنها توفيت سنة 51هـ فإن أم المؤمنين سودة بنت زمعة التي توفيت سنة 54هـ كما رأينا وهي أول زوجة تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة خديجة قد روت (5) أحاديث فقط. وأم المؤمنين جويرية التي توفيت سنة 50هـ أو 56هـ ولقد تزوج بها سنة 6 للهجرة، أي سنة قبل زواجه بميمونة [25] . وقد تكون توفيت قبلها بسنة أو بعدها بخمسـة سنوات. ولم ترو أم المؤمنيـن جويرية أكثر من 10 أحـاديث. قيل إن النـبي صلى الله عليه وسلم تزوج بعائشـة في تاريخ سنتين قبـل الهجرة، وأم سلمـة عام 4هـ أي الفرق بينهـما 5 أو 6 سنوات. ولقد توفيت أم سلمة بعد عائشـة [26] . فلو كانت كثرة الرواية مرتبطة بمدى مكث الصحابية مع النبي صلى الله عليه وسلم وتأخر وفاتها، لما كان هذا الفارق الشاسع بين مرويات عائشة التي روت (2405 حديثا) ومرويات أم سلمة التي روت (378 حديثا فقط).
وعلى هذا الأساس، نخلص إلى أن كثرة الرواية لم ترتبط بطول حياة الصحابيات، وإنما هناك متغيرات أخرى على رأسها القدرات الفردية، إلى جانب الظروف التي أحاطت بكل راوية.
ولم ترتبط كثرة الرواية بأمهات المؤمنين فقط، أو أقارب الخلفاء الأربعة فقط، فمن الصحابيات من روت أكثر من بعض أمهات المؤمنين. فأسماء بنت يزيد بن السكن ليست لها صلة قرابة بالرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا بالخلفاء الأربعة، وتعتبر [ ص: 89 ] ثالث راوية بعد أم المؤمنين عائشة وأم سلمة حيث روت (81) حديثا. والغريب في أمرها أن أحـاديثها ليست في كتب الصحاح. ويبدو أن رواياتها لم تصل المحدثين عن طرق يرضونـها. وسنتـعرض لها بشيء من التفصيل فيما بعد. وأم عطية الأنصـارية روت (40) حديثا، وفاطمة بنت قيس القرشية الفهرية روت (34) حديثا. وروت خولة بنت حكيم (15) حديثا، وأم سليم أم أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم روت (14) حديثا. وروت الشفاء (12) حديثا، وكلهن ليست لهن صلة قرابة بالرسول صلى الله عليه وسلم ولا بالخلفاء الأربعة، وقد روين أكثر من أمهات المؤمنين زينب، وصفية، وجويرية، وسودة، رضي الله عنهن جميعا. وإن كانت بعض الراويات لهـن صلة قرابة ببعض الخلفاء مثل أسماء بنت أبي بكر التي روت (58) حديثا، وأم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب التي روت (60) حديثا، غير أن عثمان، رضي الله عنه، لم ترو من نسائه سوى فاطمة بنت الوليد بن المغـيرة، ولم يذكر ابن القيم عدد مروياتها. وقد تكون امرأته الأخرى أم ولد هي الأخـرى من بين من ذكرهن ابن القيم أيضا دون ذكر عدد مروياتها.
هذا، والمسألة التي تهمنا أكثر هي أن الرواة الصحابة لم يكونوا صنفا واحدا، فمنهم أعلام لحملة الآثار النبوية، ومنهم من كان يرجع إلى اجتهاداتهم في التوثيق والتضعيف والتصحيح والتزييف.. فلقد كانت نخبة من الصحابة والصحابيات اشتهروا بتخصصهم في مجال معين. ولم يكن هذا الأمر يخفى على الصحـابة أنفسهم فأبو بكر انتقى من يتولى جمع القرآن وتدوينه، لم يكلف أيا كان، فلقد انتدب لتحقيق ذلك "رجلا من خيرة رجالات الصحـابة، هو زيد بن ثابت، [ ص: 90 ] رضي الله عنه؛ لأنه اجتمع فيه من المواهب ذات الأثر في جمع القرآن ما لم يجتمع في غيره من الرجال. إذ كان من حفاظ القرآن، ومن كتاب الوحي لرسول الله، وشهد العرضة الأخيرة للقرآن في ختام حياته. وكان فوق ذلك معروفا بخصوبة عقله وشدة ورعه وعظم أمانته وكما لخلقه واستقامة دينه" [27] .
لقد كان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يقول عندما خطبهم بالجابية "من أراد القرآن فليأت أبيا، ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيدا، ومن أراد أن يسأل عن الفقه فليأت معاذا، ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني فإن الله جعلني له خازنا وقاسما" [28] . لذلك نجد أن المحدثين قد اقتصروا عند ذكر طبقات المحدثين من الصحابة على فئة معينة دون الأخرى. وهذا مايبدو واضحا عند الذهبي مثلا في كتابه "المعين في طبقات المحدثين" [29] ، يذكر الذهبي في المقدمة "أسماء أعـلام حملة الآثار النبوية تبصر الطالب النبيه وتذكر المحدث المفيد بمن يقبح بالطلـبة أن يجهلوهم. وليس هذا كتاب بالمستوعب للكبار، بل لمن سار ذكره في الأقطار والأعصار".
وختـم ذكر آخر صحـابية من قائمـة الطبقـة الأولى وهي طبقـة الصحـابة بقوله: "فهـؤلاء مشاهـير الصحابة ونقاوتهم" فذكر 153 [ ص: 91 ] صحابيا و27 صحـابية. ويهمنا ذكر الصحابيات في هذا الكتاب. إذ من 292 راوية نرى أن الذهبي قد انتقى 27 صحابية فقط، هن في نظره من مشاهير الصحابة ونقاوتهم. وقد ذكرهم وفق الترتيب الألفبائي، وليس حسب كثرة الرواية:
أسماء بنت الصديق. أسماء بنت عميس الخثعمية. أسماء بنت يزيد الأشهلية بدمشق. جويرية بنت الحارث المصطلقية أم المؤمنين. حفصة بنت عمر العدوية أم المؤمنين. حمنة بنت جحش زوجة طلحة. خديجة بنت خويلد سيدة النساء. خولة المجادلة في زوجها أوس بن الصامت. الربيع بنت معوذ بن عفراء (تأخرت). رملة أم حبيبة بنت أبي سفيان الأموية أم المؤمنين. زينب بنت جحش الأسدية أم المؤمنين. زينب بنت أبي سلمة المخزومية. زينب الثقفية زوجة ابن مسعود. سبيعة بنت الحارث الأسلمية زوجة سعد بن خولة الذي أدركه أجله بمكة. سودة بنت زمعة العامرية أم المؤمنين. صفية بنت حيي النضرية أم المؤمنين. ضباعة بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم الزبير زوجة المقداد. عائشة بنت أبي بكر أم المؤمنين. فاطمة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم أم أبيها. فاطمـة بنت قيس الفهـرية. لبابة بنت الحارث أم الفضل الهلالية. أختها أم المؤمنين ميمونة. أم عطية نسيبة الأنصارية. أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية أم المؤمنين. أم أيمن بركة حـاضنة النبي صلى الله عليه وسلم . أم حرام بنت ملحـان النجارية الشهـيدة. أختها أم سليم والدة أنس. وأخيرا أم هانىء ابنة عم النبي صلى الله عليه وسلم .
ومن هذه القائمة انتقى أيضا كما جاء في كتابه "تذكرة الحفاظ" قائمة "بأسماء معدلي حملة العلم النبوي ومن يرجع إلى اجتهادهم في التوثيق والتضعيف [ ص: 92 ] والتصحيح والتزييف" [30] . ذكر 22 صحابيا وذكر صحابية واحـدة فقط وهي أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها. وانتقى أيضا قائمة من الأسماء صنفهم ضمن نبلاء الصحابة الذين حديثهم في الصحاح فأورد 78 صحابيا، و14 صحابية وهن: أسماء بنت أبي بكر الصديق. وأم المؤمنين جويرية بنت الحارث المصطلقية. وأم المؤمنين حفصة بنت عمر العدوية. وأم المؤمنين أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان الأموية. وأم المؤمنين زينب بنت جحش الأسدية. وزينب بنت أبي سلمة المخزومية. وفاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الهاشمية. وأم الفضل لبابة بنت الحارث الهـلالية. وأختها أم المؤمنين ميمـونة. وأم عطية الأنصارية نسيبة. وأم المؤمنين أم سلمة هند المخزومية. وأم حرام بنت ملحان الأنصارية. وأختها أم سليم. وأخيرا أم هانئ أخت علي بن أبي طالب، رضي الله عنهن.
يبدو من ذكر الذهبي 27 صحابية مقابل 153 صحابيا من المشاهير، وذكره 78 صحابيا يقابله 14 صحابية توزيعا معتدلا لذلك لا أوافق رأي الباحثة قرداش الذي ترى فيه بأن الحركة العلمية لدى النساء كانت محدودة جدا وغير مشجعة على نطاق واسع بين النساء خاصة في فترة وجود أكبر المحدثات عائشة، رضي الله عنها.
أما جلال الدين عبد الرحمن السيوطي [31] فقد لخص طبقاته من "طبقات الحفاظ" للذهبي؛ فذكر معدلي حملة العلم النبوي ومن يرجع إلى اجتهادهم في التوثيق والترجيح والتضـعيف والتصحيـح فأورد مثل الذهبي 22 صحابيا [ ص: 93 ] وأم المؤمنين عائشة فقط. ولم يذكر نبلاء الصحابة كما ذكر ذلك الذهبي في كتابه "تذكرة الحفاظ".
أما من اختص في الفقه من القائمة نفسها فنجد أن النسائي [32] قد ذكر عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر، وعائشة ضمن فقهاء الأمصار من أصحـاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من أهل المدينة.
وقد اعتبر الشيرازي [33] أن الذي اشتهر منهم بالفتاوى والأحكام وتكلم في الحلال والحرام جماعة مخصـوصة فمنهم (13) صحابيا، وصحابية واحدة هي أم المؤمنيـن عائشـة بنت أبي بكر الصديق، رضي الله عنهم أجمعين. وممن أخذ منه الفقـه من الصحابة، رضي الله عنهم، (7)، وممن نقل عنهم الفقـه (44) صحابيا و (7) صحابيات هن كما قال: فاطمة بنت رسـول الله صلى الله عليه وسلم ، وحفصة بنت عمر، وأم سلمة، وأم حبيبة، وأسماء بنت أبي بكر، وأم الفضل بنت الحارث، وأم هانئ بنت أبي طالب، رضي الله عنهم أجمعين.
وأورد ابن حبان (ت354هـ) أسماء فقهاء الأقطار دون الضعفاء والمتروكين، وأضداد العدول من المجروحين" [34] ، فذكر 418 صحابيا موزعين بالضبط كالآتي: [ ص: 94 ]
مشاهير الصحابة بالمدينة: 152؛ مشاهير الصحابة بمكة: 62؛ مشاهير الصحابة بالبصرة: 51؛ مشاهير الصحابة بالكوفة: 55؛ مشاهير الصحابة بالشام: 55؛ مشاهير الصحابة بمصر: 22؛ مشاهير الصحابة باليمن: 16؛ مشاهير الصحابة بخراسان: 5.
ويبدو أنه لم يورد ذكرا لامرأة واحدة في هذه القائمة التي قمت بمراجعتها. كنت أتوقع على الأقل ذكر عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، التي تصنف ضمن كبار المحدثين والفقهاء، لكنه لم يذكرها أيضا. فكيف يغيب ذكرها من ضمن مشاهير علماء الأمصار وأعلام فقهاء الأقطار، وهو في القرن الثالث الهجري؟ السؤال يبقى مطروحا؛ لأن من سبقه من العلماء ومن جاؤوا بعده ذكروا الكثير من الأسماء النسائية وعلى رأسهن عائشة، رضي الله عنها، كما رأينا.
لقد أثبت المحدثون والفقهاء وجود نخبة من الصحابة مثلها الذهبي في (153) صحابيا و (27) صحابية وهم مشاهير الصحابة ونقاوتهم. ومن هذه الفئة هناك من يمثل نخبة النخبة، وهم على فئتين: فئة كانت تمثل فيها من النساء عائشة، رضي الله عنها، فقط، يرجع إلى اجتهادها في مجال الحديث، في التوثيق والتضعيف والتصحيح والتزييف. واشتهرت في مجال الفقه بالفتاوى والأحكام وتكلمت في الحلال والحرام. والفئة الثانية هم نبلاء الصحابة الذين حديثهم في الصحاح فذكر (14) صحابية. ومن هؤلاء الـ (14) صحابية (7) منهن نقل عنهن الفقه، كما ذكر الشيرازي. وإن دلت هذه القائمة على شيء فإنها تدل على أن الفقه أو فكر هذا المجتمع المصغر أسهم في إنتاجه الصحابة رجالا ونساء، جنبا إلى جنب. [ ص: 95 ]
والملاحظة التي نستخلصها من هذه القائمة أيضا أن الأسماء المذكورة في أعلام حملة الآثار فيها تنوع. لم تشمل من لهن صـلة قرابة بالرسول صلى الله عليه وسلم فقط أو الخلفاء الأربعة. غير أن هناك أسماء لامعة أخرى لم ترد في هذه القائمة من بينهن الشفاء على الرغم من أنها روت 12حديثا هذا بغض النظر عن كفاءاتها الأخرى. أما في الفئة الثالثة، أي الذين حديثهم في الصحاح، فإلى جانب بعض أخوات أمهات المؤمنين، ثلاثة منهن فقط ليست لهن صـلة قرابة بالنبي صلى الله عليه وسلم : أم عطية، وأم حرام، وأختها أم سليم. أما من نقل عنهن الفقه كلهن لهن صلة قرابة بالرسول صلى الله عليه وسلم . ويبدو أن أحد الأسباب الرئيسة لهذا الاختزال المتدرج للعناصر النخبوية هو التدوين التلقائي للحديث؛ لأن تتبع رواية الحديث مخافة ضياعه كان الهم الأساسي من التدوين. أي كان أمر التدوين على رأس الأولويات. وهذا ما جعلني أنتقي بعض الأسماء، بعضها مذكور في قائمة المحدثين ولـم يذكر في قائمة الفقهـاء. فدورهن لم يكن محصورا في الرواية. بينما تثبت سيرتهن أنهن كان لهن موقع مهم في الوسط النخبوي. وبعضها ذكر في القائمتين. وبعضها ذكر في قائمة حملة علم النبي العامة والتي تشمل (292) راوية، كما رأينا.
وليس الهـدف من هذا الانتقـاء نقد المحدثـين أو الفقهـاء إنما هو محاولة إبراز أهمية موقع المرأة في الوسـط النخبوي في المجتمـع المسلم من خلال أنموذج المجتمع النبوي، وذلك بعرض بعض الشخصيات التي لم يختلف المحدثون والفقهاء حول كونها من ضمن قائمة العناصر النخبوية. كما سوف أقوم بعرض عناصر أخرى كان لها موقع مهم في هذا الوسط ولها أهميتها في صنـع القرار في المجتمـع النبوي ولم تلق العناية الكافية في التدوين لسيرتـها الذاتية وإسهاماتها الفكرية. [ ص: 96 ]