المبحث الرابع
أم المؤمنين عائشة المرأة النخبوية الأنموذج
تمهيد:
إن الغـالب على معظـم الكتب [1] ، التي حصـلت عليها والتي تناولت سيرة أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، أنها لا تتجاوز حد الإجابة عن هذه الأسئلة: متى مولدها؟ وماذا عن زواجها بالرسول صلى الله عليه وسلم ؟ متى؟ وأين؟ أو كيف كان حبه لها، وتفضيله لها على باقي النساء؟ كيف كانت علاقته بها؟ ما تميزت به من معاملة؟ ذكر مناقبها؟ حديث الإفك؟ علمهـا على شـكل اعترافات تشهد [ ص: 181 ] لها بالقلم؟ وموقعة الجمل، باعتبارها الحدث، الذي أخطأت فيه أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها؟ هذا في معظم الكتب، والنادر القليل منها تناول هذه العناصر بالتحليل وإعطاء تلك الآثار أو الأخبار أبعادا أخرى ملفتة للانتباه، وتجعل من سيرة أم المؤمنين عائشة صفة مرجعية لكثير من القضايا، وأبرز تلك الكتب: موسوعة فقه عائشة أم المؤمنين -حياتها وفقهها- للشيخ سعيد فايز الدخيل، وموسوعة حياة الصحابيات لمحمد سعيد مبيض، وتراجم سيدات بيت النبوة للدكتورة عائشة عبد الرحمن، وإن كانت بعض التحليلات لا تستند إلى توثيق علمي، أو ربما استندت إلى روايات تحتاج إلى تخريج للتعرف على مدى صحتها.
ويبدو أن الروايات المعتمد عليها في الكتب التي تناولت سيرة عائشة، رضي الله عنها، لم يهتم المحققون بتخريجها كلها تخريجا علميا. والظاهر أن الكتاب الوحيد الذي اهتـم المحقق شعيب الأرنؤوط بتخريج أحاديثه، بشكل أوسـع، هو كتاب سير أعلام النبلاء للإمام شمس الدين محمد بن أحمد ابن عثمان الذهبي.
ومثلما هو معـلوم فإن المرء ابن بيئتـه، فـلا يمكن أن تدرس شخصيـة ما بتجريدها من ظروفها الاجتماعية، أو النفسية، أو المادية؛ لأن كل هذه العوامل مجتمعة تساعد على تكوين شخصية الإنسان باعتباره كائنا اجتماعيا يتأثر ويؤثر، باستثناء الحالات الخاصة مثل الأنبياء، فإن تدخل يد الله عز وجل في تكوين شخصياتهم له تأثير خاص، مثل النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي تربى يتيما، وكبر سليما خاليا من الأمراض النفسية، بسبب العناية الربانية.. ولقد أحاطت بعائشة ظروف ساهمت في تكوين شخصيتها قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، كان لها نتائج تجلت أهميتها في موقعها النخبوي الذي وصلت إليه وتبوأته في مجتمعها بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، وكان لها أثر واضح فيه. [ ص: 182 ]