المطلب السادس: مشروعية الاجتهاد بتحقيق المناط عند شيخ الإسلام:
يقرر الإمام ابن تيمية في غير موضع أن الاجتهاد بتحقيق المناط متفق عليه بين المسلمين [1] بل بين العقلاء [2] ، فهو لا يقبل النـزاع حسب رأيه، لذلك لم يدلل عليه بأدلة نقلية لعدم الحاجة إلى ذلك، بل بين مشروعيته بأدلة عقلية، وفي هذا يقول: "والناس كلهم متفقون على الاجتهاد والتفقه، الذي يحتاج فيه إلى إدخال القضايا المعينة تحت الأحكام الكلية العامة، التي نطق بها الكتاب والسنة، وهذا هو الذي يسمى تحقيق المناط" [3] . بل اعتبره [ ص: 94 ] ضروريا في كل شريعة معللا ذلك بأن "الشارع غاية ما يمكنه بيان الأحكام بالأسماء العامة الكلية، ثم يحتاج إلى معرفة دخول ما هو أخص منها تحتها من الأنواع والأعيان... فهو ضروري لابد منه، ولا يمـكن إثبات حكم نوع أو عين إلا بمثل هذا" [4] .
وقال أيضا: "وأما الجزئيات فهذه لا يمكن النص على أعيانها، بل لا بد فيها من الاجتهاد المسمى بتحقيق المناط، كما أن الشارع لا يمكن أن ينص لكل مصل على جهة القبلة في حقه، ولكل حاكم على عدالة كل شاهد، وأمثال ذلك" [5] .