الفصل الثاني
حفظ الدين
أولا: كان عمر رضي الله عنه أشدهم في دين الله:
إن من أعظم الواجبات والمسؤوليات الأخلاقية، التي يتحملها من يتولى أمر هذه الأمة أن يحفظ لها دينها من الوجوه كافة، بإمضاء أحكامه، وحمل الأمة على الأخذ بها، وحفظ سلامته من التشويه والتحريف؛ وأجمع كتاب السياسة المسلمون بأن واجب الإمامة الرئيس حراسة الدين وسياسة الدنيا على مقتضاه، وذلك ما استشعره عمر رضي الله عنه عند توليه الخلافة فقال: "ورب الكعبة لأحملنهم على الطريق" [1] ؛ وقد يثير هذا التساؤل الآتي: هل كان عمر رضي الله عنه متشددا في دين الله، أم كان شديدا فيه؟ ولا يخفى أن الفرق بين، فالشديد هو القوي، والشديد في الدين هو الذي يأخذه بقوة ( خذ الكتاب بقوة ) (مريم:12)، فيقيم الدين لا يتهـاون فيه، ويكون ذلك على بينة وبصـيرة، أما المتشدد فهو المتزمت والمتعصب، ويسد المنافذ أمام كل أشكال الاختلاف، السائغ وغير السائغ. ولقد جاءت النصوص والوقائع لتؤكد أن عمر رضي الله عنه كان شديدا في دين الله وليس متشددا، فقد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : ( أرحم أمتي بأمـتي [ ص: 59 ] أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر بن الخطاب ) [2] . ووصف بأنه "كان وقافا عند كتاب الله عز وجل" [3] .
ومن ناحية أخرى، كان عمر رضي الله عنه على درجة عالية من المرونة، فيما يسع المرء أن يكون فيه مرنا، فلا يتشدد ولا يتصلب، حتى قال فيه ابن مسعود رضي الله عنه ، وقد عايشه وتلمس منهجه مع الأمة: "كان عمر إذا سلك بنا طريقا وجدناه سهلا" [4] . ومن مظاهر مرونته أنه "كان يلعن من يسأل عما لم يكن" [5] ، خشية أن يكون ذلك سببا في التشديد على الناس، وحملهم على ما يرهقهم. وهكذا تجد عمر رضي الله عنه قد تراوح بين الشدة والمرونة، كان شـديدا في دين الله، لا يرى متسعا - مهما صغر - لمخالفة أو تـهاون أو تنقص في أمور الدين، ثـم تجـده أسهل الناس وأكثرهم مرونة إن كان في ذلك متسعـا مهما دق أو صغر، وهذا هو التوازن الحقيقي في فهم الإسلام وتعاطيه وحمل الناس عليه.