الفصل الثاني
استقلال السلطة القضائية
لا خلاف أن ولاية القضاء في الإسلام من أهم الولايات شأنا وأعظمها أثرا وأعلاها مرتبة في المجتمع الإسلامي، ذلك أن القاضي إذ يقيم العدل بين الناس، فإنما يساهم بعمله هذا في تطبيق شرع الله، والتزام أمره، والمحافظة على حقوق عباده، ومنع كل أنواع الظلم والاعتداء أن تحيف بأحد أفراد المجتمع.
فالقاضي إذا يمثل ميزان الله في أرضه، والفيصل بين عباده، والضامن لاستقرار أمن المجتمع.
وإذا كانت الشريعة الإسلامية قد حدت الحقوق ورسمت الحريات وصانت الأموال والأعراض، وأرست قواعد الحلال والحرام، وفصلت للأفراد ما ينظم حياتهم وشؤونهم اليومية، وللحكام ما يرشد قرارهم، وبينت سبل الاحتكام للقضاء، وجعلته أمرا لازما، فإن تطبيق هذه القواعد والأحكام يحتاج إلى قضاء فيه من الفاعلية والإلزام ما يقيم هذه القواعد، ويطبق هذه الأحكام، ويقف في وجه كل معرض عنها. [ ص: 123 ]
لكل هذا فقد كان لزاما على الشريعة من أجل تحقيق هذه الأهداف، أن ترسي ضمانات أساسية، تكون الركن المنيع للقاضي، يلجأ إليها كلما عن لبعضهم أن يتجاوز أطره وحدود ما رسمته الشريعة له.
ومن هذه الضمانات مبدأ استقلال القضاء [1] ، وهو نفس المبدأ الذي نادت به التشريعات الحديثة في إطار ما يسمى بفصل السلطات.
وسأحاول في هذا الفصل تحليل هذا المبدأ في التشريع الإسلامي والقانون الوضعي مع بيان أصـوله التاريخية وآثاره في تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية. [ ص: 124 ]