1- بناء الذات الإيجابية المؤتلفة:
عمد جولن إلى بناء الذات الإيجابية التي تأتلف مع المجتمع، وتمد جسور المودة إلى جميع الخلق، بعيدا عن الحس الفردي الأناني، وذلك من خلال الارتقاء بمفردات الإيجابية في ذات الفرد، وتجفيف منابع السلبية فيها، والتحذير الدائم من الوقوع في دوامة الأنانية [1] . كذلك من خلال حثه على التبسط والتواضع [2] ، وزرع مشاعر الإحساس بالمسؤولية عند الآخرين كجزء من قضية العبودية لله، ومعركة استعمار الأرض [3] .
ووفر الوسائل المادية والمعنوية لعملية الاستزراع هذه، ومن ذلك الفن، حيث ذهب إلى أنه "من أهم الطرق المؤدية إلى سمو الروح والمشاعر.." [4] . [ ص: 181 ]
واجتهد في أن يجعل من الإنسان ميزانا يزن به كل شيء، وذلك بالإعلاء من قيمة الإنسانية في النفس، بحيث يحب الفرد للآخرين ما يحبه لذاته، ويكره لهم ما يكرهه لذاته [5] .
وخاطب الفرد بالمنطق الذي يقول: "إن أكرمت نفسك وأعززتها أكرمك الآخرون كذلك وأعزوك" [6] ، وأوضح لهذا الفرد بجلاء أن خيريته تقاس بمدى حب الآخرين له [7] .
وظل العلم هو الحاضر الأبرز في هذا الميدان والحاضن الأكبر لقيم الإيجابية والمسؤولية وبناء الذات المؤتلفة، من خلال تشذيبه لزوائد الفردية السلبية، وتحليته للفرد بمتطلبات الائتلاف.
وقد لفت جولن الأنظار إلى الجانب العملي - كما أسلفنا - في العلم، وإلى الجانب الأخلاقي فيه، فالعلم الحقيقي لابد أن يورث صاحبه التواضع [8] ، ولهذا دعا إلى الاستزادة من العلم دائما عبر القراءة المستمرة [9] .
وبعد هذا كله، عمل على الإعلاء من شأن النقد الذاتي كقيمة فردية واجتماعية، وقد سبق أن أوردنا بعض أفكاره في هذا المضمار [10] . [ ص: 182 ]
إن كل هذا الشحن والبناء للذات الإيجابية المؤتلفة يصبح حجر الأساس في إيجاد الحس الجمعي الفاعل.