تاسعا: الاهتمام بحياة الإنسان الخاصة
1- النظافة والمظهر الجيد:
للإسلام ذائقة مميزة في الاهتمام بنظافة المرء وحلاوة مظهره، وهذا أمر ظاهر في معالم الحياة الإسلامية من وجوب الوضوء والغسل وطهارة الملبس ونظافته إلى السكن إلى غير ذلك من مظاهر الحياة المختلفة؛ قال الله تعالى في كتابه العزيز: يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر (المدثر:1-5) ، وقال تعالى: خذوا زينتكم عند كل مسجد (الأعراف:31) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "الطهور شطر الإيمان" [1] ، تأكيدا لما للنظافة من مكانة مميزة في حياة المسلم.
والنظافة في هذا الدين منظومة متكاملة: نظافة القلب والقالب، نظافة الروح والبدن، نظافة المسكن والملبس، نظافة الحي والشارع، ونظافة الثوب والفراش والأثاث، نظافة يومية وأخرى أسبوعية [2] . ومما ظهر في غزوة خيبر من مظاهر الاهتمام بالنظافة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعامه غسل يديه ومضمض فمه من آثار الطعام [3] ، الأمر الذي يظهر مبلغ الاهتمام بنظافة المرء بصورة مستمرة ودائمة. [ ص: 132 ]
ولما فتح المسلمون خيبر وقعوا في تلك البقلة - أي الثوم- فأكلوا منها كثيرا، فلما ذهبوا إلى صلاتهم في المسجد، وجد منهم النبي صلى الله عليه وسلم رائحة شديدة غير مقبولة، فقال صلى الله عليه وسلم : "من أكل من هذه الشجرة - يعني: الثوم- فلا يقربن مسجدنا" [4] . وهذا يعكس طبيعة الذائقة الحضارية، التي لا تتقبل كل ما هو مؤذ، حتى وإن كان مجرد رائحة، مع تأكيد التشجيع على الرائحة الطيبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "حبب إلي من الدنيا: النساء والطيب، وجعل قرة عيني في الصلاة" [5] .
ولما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرس بصفية دفعها إلى أم سليم لتجهزها له وتعدها الإعداد الذوقي اللائق -كما تقدم- وهو الخارج من الحرب والقتال، وما زالت سيوفهم بأيديهم إلا أن ذلك لا يمنع من ضرورة الاهتمام بالمظهر اللائق المناسب لتكريم الله سبحانه الإنسان: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم (التين:4) ، إذ ينبغي المحافظة على هذه المكانة وهذا التكريم في الأحوال كلها، فلم يجد النبي صلى الله عليه وسلم بأسا أن تعد له عروسه الإعداد الذوقي والجمالي اللائق به كنبي واللائق بها وهي تزف إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
2- تنزيه طعام الإنسان:
وفي غزوة خيبر، أصابت المسلمين حاجة شديدة إلى الطعام حتى بان الجوع عليهم، وفي أثناء محاصـرتهم لحصن الصـعب بن معـاذ خرج منه عشـرون حمارا [ ص: 133 ] أو ثلاثون، ولم يتمكن اليهود من استردادها، فأخذها المسلمون وذبحوها ووضعوها في قدورهم حتى إذا أوشكت أن تصبح جاهزة لأكلها، مر بهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فسأل عنها، فأخبروه الخبر، فأمر مناديا فناد: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاكم عن الحمر الإنسية... وعن كل ذي ناب ومخلب" وأجاز لهم لحوم الخيل فأكلوا منها [6] .
وقد اختلف الصـحابة في علة التـحريم في كونها لم تخمس أو غير ذلك، وقيل: بل حرمها البتة [7] . أي حرمها لذاتها، وذلك لأنها تأكل العذرة [8] ، بمعنى أن الأمر يتعلق بتطهير طعام الإنسان وتنزيهه من كل ما هو غير لائق به، ورقيا بالذوق الإنساني إلى ما يتسق مع تكريمه. [ ص: 134 ]