[ ص: 212 ] مسألة : سواء قل أو كثر ، قاعدا أو قائما ، في صلاة أو غيرها ، أو راكعا كذلك أو ساجدا كذلك أو متكئا أو مضطجعا ، أيقن من حواليه أنه لم يحدث أو لم يوقنوا . برهان ذلك ما حدثناه والنوم في ذاته حدث ينقض الوضوء يونس بن عبد الله وعبد الله بن ربيع قالا : ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا محمد بن عبد الأعلى ويحيى بن آدم قال وقتيبة بن سعيد محمد ثنا وقال شعبة ثنا قتيبة وقال سفيان بن عيينة يحيى ثنا سفيان الثوري - وزهير هو ابن معاوية ومالك بن مغول واللفظ وسفيان بن عيينة ليحيى ، ثم اتفق شعبة وسفيان وزهير وابن مغول عن عن { عاصم بن أبي النجود قال : سألت زر بن حبيش صفوان بن عسال عن المسح على الخفين فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا مسافرين أن نمسح على خفافنا ولا ننزعها ثلاثة أيام من غائط وبول ونوم إلا من جنابة } . ولفظ في روايته { شعبة } فعم عليه السلام كل نوم ، ولم يخص قليله من كثيره ، ولا حالا من حال ، وسوى بينه وبين الغائط والبول ، وهذا قول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا إذا كنا مسافرين ألا ننزعه ثلاثا إلا من جنابة ، لكن من غائط وبول ونوم أبي هريرة وأبي رافع وعروة بن الزبير وعطاء والحسن البصري وسعيد بن المسيب وعكرمة والزهري وغيرهم كثير . والمزني
وذهب الأوزاعي إلى أن النوم لا ينقض الوضوء كيف كان . وهو قول صحيح عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وعن وعن ابن عمر مكحول نذكر بعض ذلك بإسناده ; لأن الحاضرين من خصومنا لا يعرفونه ، ولقد ادعى بعضهم الإجماع على خلافه جهلا وجرأة . [ ص: 213 ] حدثنا وعبيدة السلماني محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عون الله ثنا ثنا قاسم بن أصبغ محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن بشار ثنا ثنا يحيى بن سعيد القطان عن شعبة عن قتادة قال " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصلاة فيضعون جنوبهم فمنهم من ينام ثم يقومون إلى الصلاة " . أنس بن مالك
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج يحيى بن حبيب الحارثي ثنا - ثنا خالد هو ابن الحارث عن شعبة قال سمعت قتادة يقول " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون " فقلت أنسا : سمعته من لقتادة ؟ قال إي والله . قال أنس : لو جاز القطع بالإجماع فيما لا يتيقن أنه لم يشذ عنه أحد لكان هذا يجب أن يقطع فيه بأنه إجماع ، لا لتلك الأكاذيب التي لا يبالي من لا دين له بإطلاق دعوى الإجماع فيها . وذهب أبو محمد إلى أن النوم لا ينقض الوضوء إلا نوم المضطجع فقط ، وهو قول روي عن داود بن علي رضي الله عنه وعن عمر بن الخطاب ، ولم يصح عنهما ، وعن ابن عباس صح عنه ، وصح عن ابن عمر وعن إبراهيم النخعي عطاء والليث وسفيان الثوري . وذهب والحسن بن حي إلى أنه لا ينقض النوم الوضوء إلا أن يضطجع أو يتكئ أو متوكئا على إحدى أليتيه أو إحدى وركيه فقط ، ولا ينقضه ساجدا أو قائما أو قاعدا أو راكعا ، طال ذلك أو قصر . وقال أبو حنيفة : إن نام ساجدا غير متعمد فوضوءه باق ، وإن تعمد ذلك بطل وضوءه ، وهو لا يفرق بين العمد والغلبة فيما ينقض الوضوء والصلاة من غير هذا ، وهو قول لا نعلمه عن أحد من المتقدمين إلا أن بعضهم ذكر ذلك عن أبو يوسف حماد بن أبي سليمان والحكم ، ولا نعلم كيف قالا .
وقال مالك : من نام نوما يسيرا وهو قاعد لم ينتقض وضوءه وكذلك النوم القليل للراكب ، وقد روي عنه نحو ذلك في السجود أيضا ، ورأي أيضا فيما عدا هذه الأحوال أن قليل النوم وكثيره ينقض الوضوء ، وهو قول وأحمد بن حنبل الزهري ، وذكر عن وربيعة ولم يصح . وقال ابن عباس : جميع النوم ينقض الوضوء ، قليله وكثيره إلا من نام جالسا غير [ ص: 214 ] زائل عن مستوى الجلوس ، فهذا لا ينتقض وضوءه ، طال نومه أو قصر ، وما نعلم هذا التقسيم يصح عن أحد من المتقدمين ، إلا أن بعض الناس ذكر ذلك عن الشافعي طاوس ولا نحققه . وابن سيرين
قال : احتج من لم ير النوم حدثا بالثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من { أبو محمد } . قال أنه كان ينام ولا يعيد وضوءا ثم يصلي : وهذا لا حجة لهم ، لأن { أبو محمد رضي الله عنها ذكرت أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أتنام قبل أن توتر ؟ قال : إن عيني تنامان ولا ينام قلبي عائشة } فصح أنه عليه السلام بخلاف الناس في ذلك ، وصح أن نوم القلب الموجود من كل من دونه هو النوم الموجب للوضوء ، فسقط هذا القول . ولله الحمد .
ووجدنا من حجة من لا يرى الوضوء من النوم إلا من الاضطجاع حديثا روي فيه { } وحديثا آخر فيه { إنما الوضوء على من نام مضطجعا فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله } وحديثا آخر فيه { أعلي في هذا وضوء يا رسول الله ؟ قال : لا إلا أن تضع جنبك } . قال من وضع جنبه فليتوضأ : وهذا كله لا حجة فيه . أما الحديث الأول فإنه من رواية أبو محمد عبد السلام بن حرب عن أبي خالد الدالاني عن عن قتادة أبي العالية عن ، ابن عباس وعبد السلام ضعيف لا يحتج به ، ضعفه وغيره ، ابن المبارك والدالاني ليس بالقوي ، روينا عن أنه قال : لم يسمع شعبة من قتادة أبي العالية إلا أربعة أحاديث ، ليس هذا منها ، فسقط جملة ولله الحمد . والثاني لا تحل روايته إلا على بيان سقوطه ; لأنه رواية بحر بن كنيز السقاء ، وهو لا خير فيه متفق على إطراحه ، فسقط جملة . [ ص: 215 ] والثالث رواه معاوية بن يحيى وهو ضعيف يحدث بالمناكير فسقط هذا الباب كله وبالله تعالى نتأيد .
وذكروا أيضا حديثا فيه { } وهذا لا شيء ; لأنه مرسل لم يخبر إذا نام العبد ساجدا باهى الله به الملائكة الحسن ممن سمعه ، ثم لو صح لم يكن فيه إسقاط الوضوء عنه . وذكروا أيضا حديثين صحيحين أحدهما عن عن عطاء ، والآخر من طريق ابن عباس عن ابن جريج عن نافع فيهما { ابن عمر فقال : الصلاة يا رسول الله فصلوا ، ولم يذكر أنهم توضئوا عمر } . قال : أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة حتى نام الناس ثم استيقظوا ثم ناموا ، ثم استيقظوا ، فجاء : والثاني من طريق أبو محمد عن شعبة عن عبد العزيز بن صهيب { أنس } وحديثا ثابتا من طريق : أقيمت الصلاة والنبي صلى الله عليه وسلم يناجي رجلا ، فلم يزل يناجيه حتى نام أصحابه ، ثم جاء فصلى بهم عروة عن قالت : { عائشة : نام النساء والصبيان ، فخرج عليه السلام عمر } . أعتم النبي صلى الله عليه وسلم بالعشاء ، حتى ناداه
قال : وكل هذا لا حجة فيه ألبتة لمن فرق بين أحوال النائم ولا بين أحوال النوم ، لأنها ليس في شيء منها ذكر حال من نام كيف نام ، من جلوس أو اضطجاع أو اتكاء أو تورك أو استناد ، وإنما يمكن أن يحتج بها من لا يرى الوضوء من النوم أصلا ، ومع ذلك فلا حجة لهم في شيء منه ; لأنه ليس في شيء منها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم بنوم من نام ، ولم يأمره بالوضوء ، ولا حجة لهم إلا فيما علمه النبي صلى الله عليه وسلم فأقره ، أو فيما أمر به ، أو فيما فعله ، فكيف وفي حديث أبو محمد ابن عمر { وعائشة بالمدينة } ، فلو صح أنه عليه السلام علم ذلك منهم لكان حديث أنه لم يكن إسلام يومئذ إلا صفوان ناسخا له ; لأن إسلام صفوان متأخر فسقط التعلق بهذه الأخبار جملة ، وبالله تعالى التوفيق .
[ ص: 216 ] وأما قول أبي حنيفة والشافعي ومالك فلا متعلق لمن ذهب إلى شيء منها لا بقرآن ولا بسنة صحيحة ولا سقيمة ، ولا بعمل صحابة ولا بقول صح عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ، ولا بقياس ولا باحتياط ، وهي أقوال مختلفة كما ترى ليس لأحد من مقلديهم أن يدعي عملا إلا كان لخصومه أن يدعي لنفسه مثل ذلك وقد لاح أن كل ما شغبوا به من أفعال الصحابة رضي الله عنهم فإنما هو إيهام مفتضح ، لأنه ليس في شيء من الروايات أنهم ناموا على الحال التي يسقطون الوضوء عمن نام كذلك ، فسقطت الأقوال كلها من طريق السنن إلا قولنا . والحمد لله رب العالمين . وأحمد
قال : وأما من طريق النظر فإنه لا يخلو النوم من أحد وجهين لا ثالث لهما : إما أن يكون النوم حدثا وإما أن لا يكون حدثا ، فإن كان ليس حدثا فقليله وكثيره ، كيف كان لا ينقض الوضوء ، وهذا خلاف قولهم ، وإن كان حدثا فقليله وكثيره - كيف كان - ينقض الوضوء ، وهذا قولنا فصح أن الحكم بالتفريق بين أحوال النوم خطأ وتحكم بلا دليل ، ودعوى لا برهان عليها . فإن قال قائل : إن النوم ليس حدثا ، وإنما يخاف أن يحدث فيه المرء ، قلنا لهم : هذا لا متعلق لكم بشيء منه ، لأن الحدث ممكن كونه من المرء في أخف ما يكون من النوم ، كما هو ممكن أن يكون منه في النوم الثقيل وممكن أن يكون من الجالس كما هو ممكن أن يكون من المضطجع ، وقد يكون الحدث من اليقظان ، وليس الحدث عملا يطول ، بل هو كلمح البصر ، وقد يمكن أن يكون النوم الكثير من المضطجع لا حدث فيه ، ويكون الحدث في أقل ما يكون من نوم الجالس ، فهذا لا فائدة لهم فيه أصلا ، وأيضا فإن خوف الحدث ليس حدثا ولا ينتقض به الوضوء ، وإنما ينقض الوضوء يقين الحدث . وبالله تعالى التوفيق . وإذ الأمر كما ذكرنا فليس إلا أحد أمرين : إما أن يكون خوف كون الحدث حدثا ، فقليل النوم وكثيره يوجب نقض الوضوء ، لأن خوف الحدث جار فيه ، وإما أن [ ص: 217 ] يكون خوف الحدث ليس حدثا ، فالنوم قليله وكثيره لا ينقض الوضوء وبطلت أقوال هؤلاء على كل حال بيقين لا شك فيه . وقد ذكر قوم أحاديث منها ما يصح ومنها ما لا يصح ، يجب أن ننبه عليها بعون الله تعالى . منها حديث أبو محمد رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { عائشة } ، وفي بعض ألفاظه { إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم ; لأن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه } وحديث لعله يدعو على نفسه وهو لا يدري عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنس } . قال إذا نعس أحدكم في الصلاة فلينم حتى يدري ما يقرأ : هذان صحيحان ، وهما حجة لنا ، لأن فيهما أن الناعس لا يدري ما يقرأ ولا ما يقول ، والنهي عن الصلاة على تلك الحال جملة ، فإذ الناعس لا يدري ما يقول فهو في حال ذهاب العقل بلا شك ، ولا يختلفون أن من ذهب عقله بطلت طهارته ، فيلزمهم أن يكون النوم كذلك . والآخر من طريق أبو محمد معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم { } والثاني من طريق العينان وكاء السه فإذا نامت العين استطلق الوكاء عن النبي صلى الله عليه وسلم { علي } . العينان وكاء السه فمن نام فليتوضأ
قال : لو صحا لكانا أعظم حجة لقولنا ، لأن فيهما إيجاب [ ص: 218 ] الوضوء من النوم جملة ، دون تخصيص حال من حال ، ولا كثير نوم من قليله ، بل من كل نوم نصا ، ولكنا لسنا ممن يحتج بما لا يحل الاحتجاج به نصرا لقوله ، ومعاذ الله من ذلك . علي بن أحمد
وهذان أثران ساقطان لا يحل الاحتجاج بهما . أما حديث معاوية فمن طريق وهو ضعيف ، عن بقية أبي بكر بن أبي مريم وهو مذكور بالكذب عن وهو مجهول . وأما حديث عطية بن قيس فراويه أيضا علي عن بقية الوضين بن عطاء ، وكلاهما ضعيف ، وبالله تعالى التوفيق .