1631 - مسألة : ومن وهب هبة صحيحة لم يجز له الرجوع فيها أصلا مذ يلفظ بها إلا الوالد ، والأم فيما أعطيا ، أو أحدهما لولدهما فلهما الرجوع فيه أبدا - الصغير والكبير سواء .
وسواء تزوج الولد أو الابنة على تلك العطية أو لم يتزوجا ، داينا عليها أو لم يداينا ، فإن فات عينها فلا رجوع لهما بشيء ، ولا رجوع لهما بالغلة ولا بالولد الحادث بعد الهبة ، فإن فات البعض وبقي البعض كان لهما الرجوع فيما بقي فقط - وهو قول ، الشافعي ، وأصحابهما . وأبي سليمان
[ ص: 72 ] وقال : من أبو حنيفة فلا رجوع لأحد ممن ذكرنا فيما وهب . وهب لذي رحم محرمة أو لولد هبة وأقبضه إياها أو وهب أحد الزوجين لصاحبه هبة وأقبضه إياها
ومن ، فللواهب أن يرجع فيما وهب من ذلك متى شاء - وإن طالت المدة - ما لم تزد الهبة في بدنها ، أو ما لم يخرجها الموهوب له عن ملكه ، أو ما لم يمت الواهب ، أو الموهوب له ، أو ما لم يعوض الموهوب له ، أو غيره عنه الواهب عوضا يقبله الواهب ، فأي هذه الأسباب كان فلا رجوع للواهب فيما وهب . وهب لأجنبي ، أو لمولى ، أو لذي رحم غير محرمة : هبة وأقبضه إياها
ولا يجوز إذا لم يكن شيء مما ذكرنا إلا بتسليم الموهوب له ذلك ، أو بحضرة الحاكم أحب الموهوب له أم كره - قال : فلو وهب آخر جارية فعلمها الموهوب له القرآن والكتابة والخير ، فليس ذلك بمانع من رجوع الواهب فيها ، فإن كان عليها دين فأداه الموهوب له عنها ، أو كانت كافرة فأسلمت فلا رجوع للواهب فيها . الرجوع في الهبة
وأما - لأجنبي كانت أو لغير أجنبي - بخلاف الهبة - وقال الصدقة فلا رجوع للمتصدق فيها : لا رجوع لواهب ولا لمتصدق في هبته أصلا ، لا لأجنبي ولا لذي رحم محرمة ، إلا في مالك فقط ، وفيما وهب الرجل لولده أو ابنته الكبيرين أو الصغيرين ، ما لم يقل : إنه وهبها لولده لوجه الله تعالى - فإن قال هذا فلا رجوع له فيما وهب ، فإن لم يقله فله الرجوع فيما وهب ، ما لم يداين الولد على تلك الهبة ، أو ما لم يتزوج الابن أو الابنة عليها ، أو ما لم يثب الولد أو الابنة أباهما على ذلك ، فأي هذه الوجوه كان فقد بطل رجوع الأب في الهبة . هبة الثواب
خاصة ما دام أبوهم حيا ، فلها الرجوع فيه ، فإن مات أبوهم فلا رجوع لها ، وكذلك لا رجوع لها فيما وهبت لولدها الكبار ، كان أبوهم حيا أو لم يكن . وترجع الأم كذلك فيما وهبت الأم لولدها الصغار
قال : وهبة الثواب صاحبها الواهب لها له الرجوع فيها ما لم يثب منها ، فإن أثيب منها أقل من قيمتها فله الرجوع .
فإن أثيب قيمتها فله الرجوع ، فإن أثيب قيمتها فلهم قولان : أحدهما - : أنه لا رجوع له ، والآخر - أن له الرجوع ما لم يرض بذلك الثواب ، ولا ثواب عندهم فيما وهب أحد الزوجين لصاحبه ، ولا للفقير فيما أهدى إلى الغني يقدم [ ص: 73 ] من سفر ; كالموز ونحو ذلك - قال : ولا رجوع في صدقة أصلا ، لا لوالد فيما تصدق به على ولده ولا لغيره .
قال : هذه أقاويل لا تعقل ، وفيها من التضاد ، والدعاوى بلا دليل ما يكفي سماعه عن تكلف الرد عليه ، فمن ذلك منع الفقير يهدي إلى الغني يقدم الموز ونحوه من طلب الثواب ، وما أحد أحوج إليه منه ، وإطلاقهم الغني على طلب الثواب ، ومنعهم الأم من الرجوع إذا مات أبو ولدها ، وإباحتهم لها الرجوع إذا كان أبوهم حيا ، وإباحتهم الرجوع فيما وهب ليتيم قريب أو بعيد ، وتفريقهم بينها وبين حكم الوالد في ذلك ، ثم تخصيصهم إذا تزوج الولد أو الابنة على تلك الهبة بالمنع من الرجوع . أبو محمد
وكذلك أقوال أيضا ، إذ رأى الإسلام بعد الكفر خيرا يمنع الرجوع ، ولم ير تعلم القرآن خيرا يمنع الرجوع . أبي حنيفة
وإذا رأى أداء دين العبد يمنع الرجوع ، ولم ير النفقة عليه تمنع الرجوع وإذا لم ير الرجوع إلا بحضرة الحاكم هذا عجب جدا ، ولئن كان الرجوع حقا فما باله لا يجوز بغير حضرة الحاكم ، ولئن كان غير حق فمن أين جاز بحضرة الحاكم ؟ ومن عجائب الدنيا احتجاجهم في إبطال السنة الثابتة من رجوع بائع السلعة فيها إذا وجدها بعينها عند مفلس ، فإنه لا يخلو أن يكون المشتري لها ملكها أو لم يملكها ، فإن كان لم يملكها فبأي شيء صارت عنده ، وفي جملة ماله ، وإن كان ملكها فلا سبيل للبائع على ماله - فهاهنا كان هذا الاعتراض صحيحا لا هناك - وها هنا لا يخلو الموهوب له من أن يكون ملك ما وهب له أم لم يملكه ، فإن كان لم يملكه فبأي شيء حل له الوطء والأكل ، والبيع ، والتصرف ، وبأي شيء ورثث عنه إن مات ، وإن كان قد ملكه ، فلا سبيل للواهب على ماله .
قال : احتج من رأى أبو محمد ما لم يثب منها أو لم يرض منها - : بما رويناه من طريق الرجوع في هبة الثواب نا سعيد بن منصور سفيان عن عمرو بن دينار عن عن أبيه عن سالم بن عبد الله بن عمر قال : من وهب هبة فلم يثب منها فهو أحق بها إلا لذي رحم . عمر
ومن طريق نا سعيد بن منصور نا أبو معاوية عن الأعمش إبراهيم عن الأسود قال [ ص: 74 ] : من وهب هبة لذي رحم فهو جائز ، ومن وهب هبة لغير ذي رحم فهو أحق بها ما لم يثب عليها . عمر بن الخطاب
ومن طريق نا وكيع حنظلة هو ابن أبي سفيان الجمحي - عن عن أبيه قال : قال سالم بن عبد الله بن عمر : الرجل أحق بهبته ما لم يرض منها . عمر
ومن طريق عن حماد بن سلمة حميد عن الحسن قال : أول من رد الهبة ، وأول من سأل البينة على أن غريمه مات ودينه عليه عثمان بن عفان . عثمان
ومن طريق نا ابن أبي شيبة عن وكيع سفيان عن جابر الجعفي عن القاسم عن عن ابن أبزى قال : الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها . علي بن أبي طالب
ومن طريق عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أنه قال : المواهب ثلاثة : موهبة يراد بها وجه الله تعالى ، وموهبة يراد بها وجه الناس ، وموهبة يراد بها الثواب - فموهبة الثواب يرجع فيها صاحبها إذا لم يثب . علي
ومن طريق نا ابن أبي شيبة عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن عبيد الله بن عمر عن نافع قال : هو أحق بها ما لم يرض منها - يعني الهبة . ابن عمر
ومن طريق نا ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح ربيعة بن يزيد عن عبد الله بن عامر قال : كنت جالسا عند فضالة بن عبيد فأتاه رجلان يختصمان إليه في باز ، فقال أحدهما : وهبت له بازي رجاء أن يثيبني فأخذ بازي ولم يثبني فقال الآخر : وهب لي بازيه ما سألته ولا تعرضت له ، فقال فضالة : رد عليه بازيه أو أثبه منه ، فإنما يرجع في المواهب النساء وشرار الأقوام .
وروي عن عن معاوية بن صالح عن راشد بن سعد قال : المواهب ثلاثة : رجل وهب من غير أن يستوهب ، فهي كسبيل الصدقة ، فليس له أن يرجع في صدقته ، ورجل استوهب فوهب فله الثواب ، فإن قبل على موهبته ثوابا فليس له إلا ذلك ، وله أن يرجع في هبته ما لم يثب ، ورجل وهب واشترط الثواب فهو دين على صاحبها في حياته وبعد مماته . أبي الدرداء
فهؤلاء : ، عمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن عمر وفضالة بن عبيد ، ، من الصحابة رضي الله عنهم لا مخالف لهم منهم . [ ص: 75 ] ومن طريق وأبو الدرداء عن ابن وهب عمرو بن قيس عن عدي بن عدي الكندي كتب إلى من وهب هبة فهو بالخيار حتى يثاب منها ما يرضى ، فإن نمت عند من وهبت له فليس لمن وهبها إلا هي بعينها ليس له من النماء شيء . عمر بن عبد العزيز
ومن طريق سمعت ابن وهب يحدث عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم أنه كتب أيما رجل وهب هبة لم يثب عليها فأراد أن يرجع في هبته ، فإن أدركها بعينها عند من وهبها له لم يتلفها أو تلفت عنده فليرجع فيها علانية غير سر ، ثم ترد عليه ، إلا أن يكون وهب شيئا مثبتا فحسن عند الموهوب له ، فليقض له بشرواه يوم وهبها له ، إلا من وهب لذي رحم ، فإنه لا يرجع فيها ، أو الزوجين ، أيهما أعطى صاحبه شيئا طيبة به نفسه ، فلا رجعة له في شيء منها . عمر بن عبد العزيز