الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1713 - مسألة : ولا ترث أخت شقيقة ولا غير شقيقة مع ابن ذكر ولا مع ابنة أنثى ، ولا مع ابن ابن وإن سفل ، ولا مع بنت ابن وإن سفلت ، والباقي بعد نصيب البنت وبنت الابن للعصبة كالأخ ، وابن الأخ ، والعم ، وابن العم ، والمعتق وعصبته ، إلا أن لا يكون للميت عاصب ، فيكون حينئذ ما بقي للأخت الشقيقة ، أو للتي للأب إن لم يكن هنالك شقيقة ، وللأخوات كذلك - وهو قول إسحاق بن راهويه - وبه نأخذ .

                                                                                                                                                                                          وهنا قولان غير هذا .

                                                                                                                                                                                          أحدهما - أن الأخوات عصبة البنات ، وأن الأخت المذكورة أو الأخوات المذكورات يأخذن ما فضل عن الابنة ، أو بنت الابن ، أو ما فضل عن البنتين أو بنتي الابن فصاعدا - وهو قول مالك ، وأبي حنيفة ، والشافعي وأحمد - وصح عن ابن مسعود وزيد ، وابن الزبير في ذلك روايات لا متعلق لهم بها .

                                                                                                                                                                                          وصح في الأخت والبنت عن معاذ ، وأبي موسى ، وسلمان - وقد روي عن عمر كذلك أيضا .

                                                                                                                                                                                          والثاني - أنه لا ترث أخت أصلا مع ابنة ، ولا مع ابنة ابن - وصح عن ابن عباس - وهو أول قول ابن الزبير - وهو قول أبي سليمان .

                                                                                                                                                                                          واحتج من رأى الأخوات عصبة البنات بما روينا من طريق شعبة ، وسفيان عن أبي قيس الأودي - هو عبد الرحمن بن ثروان - عن الهذيل بن شرحبيل قال : سئل أبو موسى عن ابنة وابنة ابن وأخت ؟ فقال : للابنة النصف ، وللأخت النصف - { فسئل ابن مسعود [ ص: 269 ] وأخبر بقول أبي موسى ؟ فقال : لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين ، أقضي فيها بما قضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم للابنة النصف ، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين ، وما بقي فللأخت . }

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : واحتج من لم يورث أختا مع ابنة ولا مع ابنة ابن بقول الله عز وجل : { إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد }

                                                                                                                                                                                          واسم الولد يقع على الابنة ، وبنت الابن ، كما يقع على الابن وابن الابن في اللغة وفي القرآن - والعجب من مجاهرة بعض القائلين هاهنا : إنما عنى ولدا ذكرا - وهذا إقدام على الله تعالى بالباطل ، وقول عليه بما لا يعلم ، بل بما يعلم أنه باطل .

                                                                                                                                                                                          وليت شعري أي فرق بين قوله تعالى : { إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت } وبين قوله تعالى : { ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم } وقوله تعالى : { ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن } وقوله تعالى : { ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس } فلم يختلفوا في جميع هذه الآيات : أن الولد سواء كان ذكرا أو أنثى ، أو ولد الولد كذلك فالحكم واحد . ثم بدا لهم في ميراث الأخت أن الولد إنما أريد به الذكر و { ستكتب شهادتهم ويسألون } { فإن شهدوا فلا تشهد معهم } .

                                                                                                                                                                                          واحتج أيضا من لم يورث أختا مع ابنة ، ولا مع ابنة ابن : بالثابت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من طريق وهيب عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس : { ألحقوا الفرائض بأصحابها فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وهم مجمعون على أن توريثهم الأخت مع البنت ، وبنت الابن إنما هو بالتعصيب ، لا بفرض مسمى ، لأنهم يقولون في بنت ، وزوج ، وأم ، وأخت شقيقة أو لأب ، أو أخوات كذلك : إن للبنت النصف وللزوج الربع ، وللأم السدس ، وليس للأخت أو الأخوات - إلا نصف السدس . [ ص: 270 ] فإن كانت المسألة بحالها ، وكانت ابنتان : لم ترث الأخت ولا الأخوات شيئا - : وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف : قيل لابن عباس : من ترك ابنته ، وأخته لأبيه ، وأمه ؟ فقال ابن عباس : لابنته النصف ، وللأخت النصف ، وليس لأخته شيء مما بقي ، وهو لعصبته ، فقال له السائل : إن عمر قضى بغير ذلك ، جعل للابنة النصف ، وللأخت النصف ؟ فقال ابن عباس : أأنتم أعلم أم الله ؟ قال معمر : فذكرت ذلك لابن طاوس قال لي ابن طاوس : أخبرني أبي أنه سمع ابن عباس يقول : قال الله تعالى : { إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك } قال ابن عباس : فقلتم أنتم : لها النصف وإن كان له ولد .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق إسماعيل بن إسحاق نا علي بن عبد الله - هو ابن المديني حدثني سفيان - هو ابن عيينة - حدثني مصعب بن عبد الله بن الزبرقان عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال : أمر ليس في كتاب الله تعالى : ولا في قضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وستجدونه في الناس كلهم : ميراث الأخت مع البنت ؟ قال أبو محمد : هذا يريك أن ابن عباس لم ير ما فشا في الناس واشتهر فيهم حجة ، وأنه لم ير القول به إذا لم يكن في القرآن ، ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتكلم أصحابنا في أبي قيس .

                                                                                                                                                                                          قال علي : أبو قيس ثقة ما نعلم أحدا جرحه بجرحة يجب بها إسقاط روايته ، فالواجب الأخذ بما روى - وبحديث ابن عباس المسند الذي ذكرنا .

                                                                                                                                                                                          فوجب بذلك إذا كان للميت عاصب أن يكون ما فضل عن فريضة الابنة ، أو البنتين ، أو بنت الابن ، أو بنتي الابن للعصبة ; لأنه أولى رجل ذكر ، وليست الأخت هاهنا من أصحاب الفرائض الذين أمرنا بإلحاق فرائضهم بهم - وهذا واضح لا إشكال فيه .

                                                                                                                                                                                          فإن لم يكن للميت رجل عاصب أصلا أخذنا بحديث أبي قيس وجعلنا الأخت عصبة كما في نصه ولم نخالف شيئا من النصوص .

                                                                                                                                                                                          والمعتق ، ومن تناسل منه من الذكور أو عصبته من الذكور هم بلا شك من الرجال الذكور : فهم أولى من الأخوات إذا كان للميت ابنة أو ابنة ابن [ ص: 271 ] قال علي : ليس في شيء من الروايات عن الصحابة المذكورين : أنهم ورثوا الأخت مع البنت مع وجود عاصب ذكر ، فبطل أن يكون لهم متعلق في شيء منها - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية