وقد حدثنا يونس بن عبد الله نا أبو بكر بن أحمد بن خالد نا أبي نا نا علي بن عبد العزيز أبو عبيد نا عن هشيم عن يونس بن عبيد قال : الحسن البصري أربعة كالشهادة على الزنى . الشهادة على القتل
وليت شعري من أين قاسوا القتل ، والقصاص ، والحدود على ما يقبل فيه رجلان فقط دون أن يقيسوها على الزنى الذي هو أشبه بها ; لأنه حد وحد ، ودم ودم - أو على ما يقبل فيه رجل وامرأتان ; لأنه حكم وحكم ، وشهادة وشهادة ؟ فظهر فساد قولهم بيقين .
فإذا قد سقطت الأقوال المذكورة فإن وجه الكلام والصدع بالحق : هو أن الله تعالى أمرنا عند التبايع بالإشهاد ، فقال تعالى : { وأشهدوا إذا تبايعتم } .
وأمرنا إذا تداينا بدين مؤجل أن نكتبه ، وأن نشهد شهيدين من رجالنا ، أو رجلا وامرأتين مرضيتين . [ ص: 486 ]
وأمرنا عند الطلاق والمراجعة بإشهاد ذوي عدل منا .
وليس في شيء من هذه النصوص ذكر ما نحكم به عند التنازع في ذلك والخصام من عدد الشهود ، إذ قد يموت الشاهدان أو أحدهما ، أو ينسيان أو أحدهما ، أو يتغيران أو أحدهما .
فمن أعجب شأنا أو أضل سبيلا ممن خالف أمر الله تعالى في الآيات المذكورة جهارا فقال : إذا تبايعتم فليس عليكم أن تشهدوا ؟ وإذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فلا تكتبوه إن شئتم .
ولا تشهدوا عليه أحدا إن أردتم ؟ ثم أراد التمويه بالنص المذكور فيما ليس فيه منه شيء فخالف الآية فيما فيها وادعى عليها ما ليس فيها - نعوذ بالله من البلاء .
فسقط تعلقهم بالنصوص المذكورة .
وأما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { } فإن الحنفيين ، والمالكيين ، والشافعيين أول من يضم إلى هذا النص ما ليس فيه ، فيجيزون في الأموال كلها رجلا وامرأتين ، وليس ذلك في القرآن إلا في الديون المؤجلة فقط ، فقد زادوا على ما في هذا الخبر بقياسهم الفاسد . شاهداك أو يمينه ، ليس لك إلا ذلك
وأما نحن : فطريقنا في ذلك غير طريقهم ، لكن نقول - وبالله تعالى نستعين - : قد صح عنه - عليه الصلاة والسلام - : ما رويناه من طريق عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري ، منصور بن المعتمر ، كلاهما عن والأعمش أبي وائل { الأشعث دخل على وهو يحدثهم بنزول قول الله تعالى : { عبد الله بن مسعود إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا } فقال الأشعث : في نزلت ، وفي رجل خاصمته في بئر فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ألك بينة ؟ قلت : لا ، قال : فليحلف } . أن
فوجدناه - عليه الصلاة والسلام - قد كلف المدعي مرة شاهدين ; ومرة بينة مطلقة ، فوجب أن تكون البينة كل ما قال قائل من المسلمين إنه بينة . [ ص: 487 ]
ووجدنا الشاهدين العدلين يقع عليهما اسم بينة ، فوجب قبولهما في كل شيء ، حاش حيث ألزم الله تعالى أربعة فقط .
ووجدناه - عليه الصلاة والسلام - قال : ما رويناه من طريق نا مسلم بن الحجاج محمد بن رمح نا - عن الليث هو ابن سعد ابن الهادي عن عن عبد الله بن دينار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في حديث { عبد الله بن عمر } . فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل
ومن طريق نا البخاري سعيد بن أبي مريم نا أخبرني محمد بن جعفر - عن زيد - هو ابن أسلم عن عياض بن عبد الله ، " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث : { أبي سعيد الخدري } فقطع - عليه الصلاة والسلام - بأن شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل ، فوجب ضرورة : أنه لا يقبل حيث يقبل رجل لو شهد إلا امرأتان ، وهكذا ما زاد . أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل ؟ قلنا : بلى يا رسول الله
فإن قيل : فهلا قبلتم بهذا الاستدلال رجلا واحدا ، فقد صح ذلك عن ، شريح ومطرف بن مازن ، ، أو شهادة امرأة واحدة ، فقد قبلها وزرارة بن أوفى ؟ قلنا : منعنا من ذلك حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد ، فلو جاز قبول واحد حيث لم يقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم لكانت اليمين فضولا ، وحاش له من ذلك ، فصح : أنه لا يجوز قبول رجل واحد ، ولا امرأة واحدة إلا في الهلال كما ذكرنا في " كتاب الصيام " فقط وفي الرضاع . معاوية
لما روينا من طريق عبد الله بن ربيع نا محمد بن أبان البلخي ، ، قالا جميعا : نا ويعقوب بن إبراهيم - عن إسماعيل بن إبراهيم - هو ابن علية عن أيوب السختياني حدثني ابن أبي مليكة عبيد بن أبي مريم عن عقبة بن الحارث قال : وقد سمعته من ابن أبي مليكة عقبة بن الحارث ، ولكني لحديث عبيد أحفظ ، قال : { } . تزوجت امرأة فجاءت امرأة سوداء فقالت : إني قد أرضعتكما ؟ فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله إني تزوجت امرأة ، فجاءت امرأة سوداء فقالت إني قد أرضعتكما - وهي كاذبة - فأعرض [ ص: 488 ] عني ، فأتيته من قبل وجهه فقلت : إنها كاذبة ، فقال : كيف بها وقد زعمت أنها أرضعتكما ؟ دعها عنك
قال : فنهي النبي صلى الله عليه وسلم تحريم ، وروينا من طريق أبو محمد الحذافي نا قال : نا عبد الرزاق قال " قال ابن جريج ابن شهاب : جاءت امرأة سوداء إلى أهل ثلاثة أبيات تناكحوا فقالت : هم بني وبناتي ، ففرق - رضي الله عنه - بينهم . عثمان
وروينا عن الزهري أنه قال : فالناس يأخذون اليوم بذلك من قول في المرضعات إذا لم يتهمن . عثمان
ومن طريق عن قتادة جابر بن زيد أبي الشعثاء عن قال : تجوز شهادة امرأة واحدة في الرضاع . ابن عباس
قال : وأما الخبر الذي صدرنا به من قول أبو محمد الزهري مضت السنة من النبي صلى الله عليه وسلم ومن ، أبي بكر : أن لا تجوز شهادة النساء في الطلاق ، ولا في النكاح ، ولا في الحدود : فبلية ; لأنه منقطع من طريق وعمر - وهو ضعيف - عن إسماعيل بن عياش - وهو هالك . الحجاج بن أرطاة
وأما الرواية عن " لو فتحنا هذا الباب لم تشأ امرأة أن تفرق بين رجل وامرأته إلا فعلت ذلك " فهو عن عمر الحارث الغنوي - وهو مجهول - أن . عمر
وأيضا - فإن هذا كلام بعيد عن قول مثله ; لأنه لا فرق بين هذا وبين أن لا يشاء رجلان قتل رجل وإعطاء ماله لآخر ، وتفريق امرأته عنه إلا قدرا على ذلك ، بأن يشهدا عليه بذلك . عمر
وبضرورة العقل يدري كل أحد : أنه لا فرق بين امرأة وبين رجل ، وبين رجلين ، وبين امرأتين ، وبين أربعة رجال ، وبين أربع نسوة ، في جواز تعمد الكذب والتواطؤ عليهم ، وكذلك الغفلة - ولو حينا - إلى هذا ، لكن النفس أطيب على شهادة ثماني نسوة منها على شهادة أربعة رجال . [ ص: 489 ]
وهذا كله لا معنى له ، إنما هو القرآن والسنة ولا مزيد .
وأما من احتج بتخصيص ما لا يجوز أن ينظر إليه الرجال فباطل ، وما يحل للمرأة من النظر إلى عورة المرأة إلا كالذي يحل للرجل من ذلك ، ولا يجوز ذلك إلا عند الشهادة أو الضرورة ، كنظرهم إلى عورة الزانيين ، والرجال والنساء في ذلك سواء - وبالله تعالى التوفيق .
وأما اليمين مع الشاهد : فروينا عن أنه قضى باليمين مع الشاهد الواحد . عمر بن الخطاب
ومن طريق عن ابن وهب أنس بن عياض أخبرني : أن ضمرة جعفر بن محمد أخبرهم قال : سمعت أبي يقول : { للحكم بن عتيبة } وقضى بها قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد بين أظهركم . علي
ومن طريق عن هشيم : أن حصين بن عبد الرحمن عبد الله بن عتبة بن مسعود قضى عليه بدين لإنسان أقام شاهدا واحدا وأحلفه مع شاهده .
وصح عن ، عمر بن عبد العزيز وعبد الرحمن بن عبد الحميد ، وعن . شريح
وروي عن جماعة : منهم ، سليمان بن يسار ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وأبو الزناد ، وربيعة ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وإياس بن معاوية ويحيى بن معمر ، والفقهاء السبعة ، وغيرهم - وهو قول ، مالك ، إلا أنهما لا يقضيان بذلك إلا في الأموال . والشافعي
وجاء عن : أنه قضى بذلك في جراح العمد والخطأ ; ويقضي به عمر بن عبد العزيز أيضا في القصاص في النفس ولا يقضي به في العتق ، مالك يقضي به في العتق . والشافعي
وروينا إنكار الحكم به عن الزهري ، وقال : هو بدعة ما أحدثه الناس أول من قضى به وقال معاوية : أول من قضى به عطاء ، وأشار إلى إنكاره عبد الملك بن مروان الحكم بن عتيبة .
وروي عن : الرجوع إلى ترك القضاء به ; لأنه وجد أهل عمر بن عبد العزيز الشام على خلافه ، ومنع منه : ، ابن شبرمة ، وأصحابه . وأبو حنيفة
قال : قد ذكرنا بطلان التعلق في رد هذا الحكم وغيره بالتعلق بقول الله تعالى : { أبو محمد واستشهدوا شهيدين من رجالكم } . [ ص: 490 ]
وبقوله تعالى : { وأشهدوا ذوي عدل منكم } في الفصل الذي قبل هذا .
وكذلك بقوله عليه الصلاة والسلام { } وسائر ما تعلقوا به في منع الحكم بيمين وشاهد أهذار ، والعجب اعتراضهم في هذا بقول شاهداك أو يمينه الزهري أول من قضى بذلك ، وهم قد أخذوا بقيمة أحدثها معاوية في زكاة الفطر ولا يصح فيها أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم . معاوية
قال : وروينا من طريق أبو محمد نا مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة ، محمد بن بشر وعبد الله بن نمير ، قالا جميعا : نا أخبرني سيف بن سليمان قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن { ابن عباس } - : نا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد أحمد بن قاسم نا أبي قاسم بن محمد بن قاسم نا جدي نا قاسم بن أصبغ محمد بن سليمان المنقري نا مسدد ، ، ومحمد بن المثنى وعبد الله بن عبد الوهاب قالوا كلهم : نا عن عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي جعفر بن محمد عن أبيه عن { جابر بن عبد الله } . أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد
ومن طريق أبي داود نا أبو المصعب نا عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي ربيعة ابن أبي عبد الرحمن عن عن أبيه عن سهيل بن أبي صالح { أبي هريرة } . أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد
قال أبو داود : وزادني الربيع بن سليمان في هذا الخبر قال : أنا عن الشافعي قال : فذكرت ذلك عبد العزيز بن محمد الدراوردي فقال : أخبرني لسهيل بن أبي صالح ربيعة - وهو ثقة عندي - أني حدثته إياه ولا أحفظه ، قال عبد العزيز : وقد كانت أصابت علة أذهبت بعض عقله ونسي بعض حديثه ، فكان سهيلا بعد يحدثه عن سهيل ربيعة عن أبيه عن . أبي هريرة
قال : فهذه آثار متظاهرة لا يحل الترك لها ، فالواجب أن يحكم بذلك في الدماء والقصاص ، والنكاح ، والطلاق ، والرجعة ، والأموال ، حاشا الحدود ; لأن ذلك عموم الأخبار المذكورة ، ولم يأت في شيء من الأخبار منع من ذلك . أبو محمد
وأما الحدود : فلا طالب لها إلا الله تعالى ، ولا حق للمقذوف في إثباتها ، ولا في [ ص: 491 ] إسقاطها ، ولا في طلبها ، وكذلك المسروق منه ، والمزني بامرأته أو حريمته أو أمته ، أو غير ذلك - : فليس لذلك كله طالب بلا يمين في شيء منها .
وقال : إن في بعض الآثار إن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بذلك في الأموال - وهذا لا يوجد أبدا في شيء من الآثار الثابتة - وبالله تعالى التوفيق . الشافعي
والعجب من أصحاب يقولون دهرهم كله : المرسل ، والمسند : سواء ، في كل بلية يقولون بها ، ثم يردون خبر أبي حنيفة هذا : بأن غير جابر الثقفي أرسله ، وأنه روي مرسلا من طريق ، وغيره ، فاعجبوا لعدم الحياء ورقة الدين . سعيد بن المسيب
وعجب آخر : وهو أنهم يقضون بالنكول في الدماء ، والأموال ، فيعطون المدعي بلا شاهد ولا يمين ، لكن بدعواه المجردة - وإن كان يهوديا أو نصرانيا - برأيهم الفاسد ، ويردون الحكم باليمين والشاهد ، ويقضون بالعظائم بشهادة امرأتين دون يمين الطالب بآرائهم الفاسدة ، واختيارهم المهلك ، وينكرون الحكم بشهادة امرأتين مع يمين الطالب ، وبشهادة رجل مع يمين الطالب ، وينكرون الحكم بشهادة مسلم ثقة مع يمين الطالب ، وهم يقضون بشهادة يهوديين ، أو نصرانيين حيث لم يأت بذلك نص قرآن ، ولا سنة صحيحة ، ويضعفون - وهو ثقة - . سيف بن سليمان
وهم آخذ الناس برواية كل كذاب ، كجابر الجعفي ، وغيره ، ويحتجون بمغيب ذلك عن الزهري وقد غاب عنهما حكم زكاة الذهب وزكاة البقر ، أو علماه ورأياه منسوخا ، فلم يلتفتوا هنالك إلى قولهما ، وقلدوهما هاهنا ، وهذا كما ترون - ونسأل الله العاقبة ورأى وعطاء ، مالك : أن لا يقضى باليمين والشاهد ، إلا في الأموال . والشافعي
قال : وفي القسامة - وهذا لا معنى له ; لأنه تخصيص للخبر بلا دليل . مالك