1849 - مسألة : وكل ، مثل أن يؤجل إلى أجل مسمى أو غير مسمى ، أو بعضه إلى أجل كذلك ، أو على خمر ، أو على خنزير ، أو على ما يحل ملكه ، أو على شيء بعينه في ملك غيره ، أو على أن لا ينكح عليها ، أو أن لا يتسرى عليها ، أو أن لا يرحلها عن بلدها ، أو عن دارها ، أو أن لا يغيب مدة أكثر من كذا ، أو على أن يعتق أم ولده فلانة ، أو على أن ينفق على ولدها ، أو نحو ذلك - فهو نكاح فاسد مفسوخ أبدا وإن ولدت له الأولاد ، ولا يتوارثان ولا يجب فيه نفقة ، ولا صداق ولا عدة . نكاح عقد على صداق فاسد ، أو على شرط فاسد
وهكذا كل نكاح فاسد ، حاشا التي ، فإن كان سمى لها مهرا فلها الذي سمي لها ، وإن كان لم يسم لها مهرا فلها عليه مهر مثلها ، فإن لم يكن وطئها فلا شيء لها . تزوجت بغير إذن وليها جاهلة فوطئها
فإن كان الصداق الفاسد ، والشروط الفاسدة إنما تعاقداها بعد صحة عقد النكاح خاليا من كل ذلك فالنكاح صحيح تام ، ويفسخ الصداق ، ويقضى لها بمهر مثلها ، إلا أن يتراضيا بأقل أو أكثر ، فذلك جائز ، وتبطل الشروط كلها .
برهان ذلك - : قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { } وهذه كلها شروط ليست في كتاب الله عز وجل فهي باطلة . كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل
وكذلك ، لأن الله تعالى يقول { تأجيل الصداق أو بعضه وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } فمن - مدة ما - فقد اشترط خلاف ما أمر الله تعالى به في القرآن . شرط أن لا يؤتيها صداقها أو بعضه
وقوله صلى الله عليه وسلم { } . [ ص: 87 ] والخبران صحيحان مشهوران وقد ذكرناهما بأسانيدهما فيما سلف من كتابنا هذا - وكل ما ذكرنا فليس عليه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو باطل مردود بنص كلامه عليه الصلاة والسلام وبضرورة العقل ، يدري كل ذي عقل أن كل ما عقدت صحته بصحة ما لا يصح ، فإنه لا يصح ، فكل نكاح عقد على أن لا صحة له إلا بصحة الشروط المذكورة فلا صحة له فإذ لا صحة له فليست زوجة ، وإذ ليست زوجة - : فإن كان عالما فعليه حد الزنا ولا يلحق به الولد لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } فليس إلا فراش أو عهر ، فإذ ليست فراشا فهو عهر ، والعهر لا يلحق فيه ولد ، والحد فيه واجب . الولد للفراش وللعاهر الحجر
فإن كان جاهلا فلا حد عليه والولد لاحق به ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بالحق ، ولم تزل الناس يسلمون وفي نكاحهم الصحيح والفاسد ، كالجمع بين الأختين ، ونكاح أكثر من أربع ، وامرأة الأب ، ففسخ عليه الصلاة والسلام كل ذلك وألحق فيه الأولاد ، فالولد لاحق بالجاهل لما ذكرنا .
وأما استثناؤنا التي نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فللخبر الثابت الذي ذكرنا قبل بإسناده من قوله صلى الله عليه وسلم { } إلى قوله عليه الصلاة والسلام { أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل } وصح أيضا { فالمهر لها بما أصاب منها } . فلها مهرها بما أصاب منها
فقوله عليه الصلاة والسلام { } تعريف بالألف واللام . فالمهر لها
وقوله عليه الصلاة والسلام { } إضافة المهر إليها ، فهذان اللفظان يوجبان لها المهر المعهود المسمى ومهرا يكون لها إن لم يكن هنالك مهر مسمى وهو مهر مثلها ، ولا يجوز أن يحكم بهذا لكل نكاح فاسد ، لأنه قياس والقياس كله باطل . فلها مهرها
وقوله عليه الصلاة والسلام : { } فصح يقينا : أن ماله حرام عليها إلا بنص قرآن ، أو سنة ، { إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام وما كان ربك نسيا } . [ ص: 88 ]
ونحن نشهد بشهادة الله عز وجل أن الله تعالى لو أراد أن يجعل في الوطء في النكاح الفاسد مهرا لبينه في كتابه ، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم كما بين ذلك في التي نكحت بغير إذن وليها ، ولما اقتصر على هذه وحدها دون غيرها تلبسا على عباده ، وحاشا لله من هذا .
فإن قالوا : قال الله عز وجل { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } وقال تعالى : { والحرمات قصاص } والوطء في النكاح الفاسد اعتداء وحرمة منتهكة ، فالواجب أن يعتدى عليه في ماله بمثل ذلك ، وأن يقتص بمثل ذلك في ماله ؟
قلنا : قول الله عز وجل حق ، وإنتاجكم منه عين الباطل ; لأن الله تعالى أوجب أن يعتدى على المعتدي ، ويقص منه حرمته بمثل ما اعتدى عليه في حرمته ، وليس المال مثلا للفرج ، إلا أن يأتي به نص فيوقف عنده ولو كان هذا لوجب على من ضرب آخر أو شتمه أن يقتص من ماله مثل ذلك ، وأن يعتدى عليه في ماله ، ولوجب أيضا على من زنى بامرأة أو لاط بغلام مهر مثلها أو غرامة ما ، وهذه أحكام الشيطان ، وطغاة العمال ، وفساق الشرط ، ليس أحكام الله تعالى ولا أحكام رسوله صلى الله عليه وسلم إنما حكم الله تعالى وحكم رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن لا تتعدى حدوده ، فإذا حكم بغرامة مال حكمنا بها ، وإذا لم يحكم بها لم نحكم بها .
وبالله تعالى التوفيق .
وقد ذكرنا قول رضي الله عنه الذي حدثناه عمر بن الخطاب محمد بن سعيد بن نبات نا إسماعيل بن إسحاق النصري نا عيسى بن حبيب نا عبد الرحمن بن عبد الله بن يزيد المقري نا جدي محمد بن عبد الله ثنا عن سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد الشعبي عن أن مسروق قال " إن كان النكاح حراما فالصداق حرام " . عمر بن الخطاب
وذكرنا فعل في إبطاله صداق التي تزوجها عبده بغير إذنه . ابن عمر
كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا نا قاسم بن أصبغ محمد بن عبد السلام الخشني نا نا محمد بن المثنى عن عبد الرحمن بن مهدي عن همام بن يحيى عن مطر الوراق : أن نافع كان إذا تزوج عبده بغير إذنه جلده وفرق بينهما ، وقال : أبحت فرجك ؟ ولم يجعل لها صداقا . ابن عمر
[ ص: 89 ] وبه إلى عن عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن زيد عاصم الأحول قال سمعت يقول في الحرة التي تتزوج العبد بغير إذن سيده : أباحت فرجها ، لا شيء لها . الحسن البصري
وبه إلى نا محمد بن المثنى نا أبو أحمد الزبيري عن سفيان الثوري عن داود بن أبي هند الشعبي قال : كل فرج لا يحل فلا مهر له .
ومن طريق عن عبد الرزاق قال : أخبرني ابن جريج عن فقهائهم في التي ينكحها العبد بغير إذن سيده ؟ قال : يأخذ السيد منها ما أصدقها غلامه ؟ عجلت قبل أن تعلم . ابن أبي ليلى
وبه إلى عن عبد الرزاق عن معمر الزهري عن أنه قال : في التي تنكح في عدتها : مهرها في بيت المال . سليمان بن يسار
ومن طريق عن وكيع قال : سألت شعبة بن الحجاج الحكم بن عتيبة ، عن العبد يتزوج الحرة بغير إذن مولاه ؟ فقالا جميعا : يفرق بينهما ، ولا صداق لها ، ويؤخذ منها ما أخذت . وحماد بن أبي سليمان
ونحو هذا عن - وهو قول إبراهيم النخعي ، وأصحابنا . أبي سليمان
وأما : فإنه فرق هاهنا فروقا لا تفهم - : فمنها : نكاحات هي عنده فاسدة تفسخ قبل الدخول وتصح بعد الدخول . مالك
ومنها : ما يفسخه قبل الدخول وبعد الدخول أيضا ما كان من قرب فإذا طال بقاؤه معها لم يفسخه .
ومنها : ما يفسخه قبل الدخول وبعد الدخول ، وإن طال بقاؤه معها ما لم تلد له أولادا ، فإن ولدت له أولادا لم يفسخه .
ومنها : ما يفسخه قبل الدخول وبعده ، وإن طال بقاؤه معها وولدت له الأولاد .
وهذه عجائب لا يدري أحد من أين قالها ، ولا نعلم أحدا قالها قبله ولا معه إلا من قلده من المنتمين إليه ، ولا يخلو كل نكاح في العالم من أن يكون صحيحا أو غير صحيح ، ولا سبيل إلى قسم ثالث ، فالصحيح صحيح أبدا إلا أن يوجب فسخه قرآن أو سنة ، فيفسخ بعد صحته متى وقعت الحال التي جاء النص بفسخه معها .
[ ص: 90 ] وأما الذي ليس صحيحا فلا يصح أبدا ، لأن الفرج الحرام لا يحله الدخول به وطؤه ، ولا طول البقاء على استحلاله بالباطل ، ولا ولادة الأولاد منه ، بل هو حرام أبدا .
فإن قالوا : ليس بحرام ؟ قلنا : فلم فسختم العقد عليه قبل الدخول إذا وهو صحيح غير حرام ؟ وهذه أمور لا ندري كيف ينشرح قلب من نصح نفسه لاعتقادها ، أو كيف ينطلق لسانه بنصرها ؟ ونسأل الله العافية .
وأما كل عقد صح ثم لما صح تعاقدا شروطا فاسدة فإن العقد صحيح لازم ، وإذ هو صحيح لازم فلا يجوز أن يبطل بغير قرآن ، أو سنة - ومحرم الحلال كمحلل الحرام ، ولا فرق ، لكن تبطل تلك الشروط الفاسدة أبدا ويفسخ حكم من حكم بإمضائها ، والحق حق ، والباطل باطل ، قال الله تعالى { ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون } وقال تبارك وتعالى { ويحق الله الحق بكلماته } وبالله تعالى التوفيق .