[ ص: 52 ] مسألة :
، واحدها : ميقات لا يحل لأحد أن يحرم بالحج ، ولا بالعمرة قبلها . وللحج ، والعمرة مواضع تسمى : المواقيت
وهي لمن جاء من جميع البلاد على طريق المدينة ، أو كان من أهل المدينة : ذو الحليفة - وهو من المدينة على أربعة أميال - وهو من مكة على مائتي ميل - غير ميلين .
ولمن جاء من جميع البلاد ، أو من الشام ، أو من مصر على طريق مصر ، أو على طريق الشام : الجحفة - وهي فيما بين المغرب والشمال - من مكة ومنها إلى مكة اثنان وثمانون ميلا .
ولمن جاء من طريق العراق منها ، ومن جميع البلاد : ذات عرق - وهو بين المشرق والشمال - من مكة ، ومنها إلى مكة اثنان وأربعون ميلا .
ولمن جاء على طريق نجد من جميع البلاد كلها : قرن - وهو شرقي من مكة - ومنه إلى مكة اثنان وأربعون ميلا .
ولمن جاء على طريق اليمن منها ، أو من جميع البلاد : يلملم - وهو جنوب من مكة - ومنه إلى مكة ثلاثون ميلا .
فكل من خطر على أحد هذه المواضع وهو يريد الحج ، أو العمرة ، فلا يحل له أن يتجاوزه إلا محرما فإن لم يحرم منه : فلا إحرام له ، ولا حج له ، ولا عمرة له إلا أن يرجع إلى الميقات الذي مر عليه فينوي الإحرام منه ، فيصح حينئذ إحرامه ، وحجه ، وعمرته .
فإن أحرم قبل شيء من هذه المواقيت وهو يمر عليها : فلا إحرام له ، ولا حج له ، ولا عمرة له إلا أن ينوي إذا صار في الميقات تجديد إحرام فذلك جائز ، وإحرامه حينئذ تام ، وحجه تام ، وعمرته تامة .
ومن كان من أهل الشام ، أو مصر فما خلفهما فأخذ على طريق المدينة - وهو يريد حجا ، أو عمرة - فلا يحل له ذي الحليفة ليحرم من الجحفة ، فإن فعل فلا حج له ، ولا إحرام له ، ولا عمرة له إلا أن يرجع إلى تأخير الإحرام من ذي الحليفة ، فيجدد منها إحراما : فيصح حينئذ إحرامه ، وحجه ، وعمرته .
فمن مر على أحد هذه المواقيت وهو لا يريد حجا ، ولا عمرة فليس عليه أن [ ص: 53 ] يحرم ، فإن تجاوزه بقليل ; أو بكثير ثم بدا له في الحج ; أو في العمرة فليحرم من حيث بدا له في الحج ، أو العمرة ، وليس عليه أن يرجع إلى الميقات ، ولا يجوز له الرجوع إليه ، وميقاته حينئذ الموضع الذي بدا له في الحج ، أو العمرة : فلا يحل له أن يتجاوزه إلا محرما - فإن فعل ذلك : فلا إحرام له ، ولا حج له ، ولا عمرة له إلا أن يرجع إلى ذلك الموضع فيجدد منه إحراما .
فمن كان منزله بين الميقات ومكة فميقاته من منزله كما ذكرنا سواء سواء ، أو من الموضع الذي بدا له أن يحج منه أو يعتمر كما قدمنا .
ومن كان من أهل مكة فأراد الحج فميقاته منازل مكة ، وإن أراد العمرة فليخرج إلى الحل فليحرم منه وأدنى ذلك : التنعيم .
ومن كان طريقه لا تمر بشيء من هذه المواقيت فليحرم من حيث شاء برا أو بحرا ; فإن أخرجه قدر بعد إحرامه إلى شيء من هذه المواقيت ففرض عليه أن يجدد منها نية إحرام ولا بد .
برهان ذلك - : ما حدثناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا نا عمر بن منصور هشام بن بهرام نا المعافري هو ابن عمران الموصلي - نا أفلح بن حميد عن عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق { عائشة أم المؤمنين المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشام ، ومصر : الجحفة ; ولأهل العراق : ذات عرق ، ولأهل اليمن : يلملم } . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل
قال : أبو محمد هشام بن بهرام ثقة ، والمعافي ثقة ، كان سفيان يسميه : الياقوتة الحمراء ; وباقيهم أشهر من ذلك - : نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا أبو بكر بن أبي شيبة نا يحيى بن آدم - نا وهيب هو ابن خالد عن أبيه عن عبد الله بن طاوس { ابن عباس المدينة : ذا الحليفة ; ولأهل الشام : الجحفة ، ولأهل نجد : قرن المنازل ، ولأهل اليمن : يلملم . وقال : هن لهم ولكل آت أتى عليهن من غيرهن ممن أراد الحج والعمرة ، ومن [ ص: 54 ] كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة } . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل
نا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا إبراهيم بن أحمد البلخي نا الفربري نا نا البخاري مسدد نا - عن حماد هو ابن زيد عمرو بن دينار عن عن طاوس قال : { ابن عباس المدينة : ذا الحليفة ; ولأهل الشام : الجحفة ; ولأهل نجد : قرن المنازل ; ولأهل اليمن : يلملم ، فهن لأهلهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة فمن كان دونهن فمهله من أهله ، وكذاك حتى أهل مكة يهلون منها } . وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل
قال : فهذه الأخبار أتم من كل خبر روي في ذلك وأصح وهي منتظمة كل ما ذكرنا فصلا فصلا - : قال أبو محمد : وفي بعض ما ذكرنا خلاف - : فمنه أن قوما ادعوا أن ميقات أهل أبو محمد العراق : العقيق واحتجوا بخبر لا يصح لأن راويه يزيد بن زياد - وهو ضعيف - عن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس عن عباس .
ومنه أن المالكيين قالوا : من مر على المدينة من أهل الشام خاصة فلهم أن يدعوا الإحرام إلى الجحفة ; لأنه ميقاتهم وليس ذلك لغيرهم ; ومنع من ذلك ، أبو حنيفة ، والشافعي ، وغيرهم ، وهو الحق ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { وأبو سليمان } . هن لأهلهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة
فقد صار ذو الحليفة ميقاتا للشامي ، والمصري إذا أتى عليه وكان إن تجاوزه غير محرم عاصيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما الميقات لمن مر عليه بنص كلامه عليه السلام لا لمن لم يمر عليه فقط .
ولو أن مدنيا يمر على الجحفة يريد الحج وعرضت له مع ذلك حاجة إلى المدينة لم يجز له أن يؤخر الإحرام إلى ذي الحليفة - : [ ص: 55 ] روينا من طريق نا سعيد بن منصور - أخبرني عبد العزيز هو ابن محمد الدراوردي عن أبيه ، هشام بن عروة قالا جميعا : من مر من أهل الآفاق وسعيد بن المسيب بالمدينة أهل من مهل النبي صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة ; وروينا عن مثل قول عطاء : وروينا من طريق مالك عن عبد الرزاق عن معمر أخبرني ابن جريج عن نافع قال : أهل ابن عمر مصر ، ومن مر من أهل الجزيرة على المدينة في الميقات من أهل الشام .
قال : قول أبو محمد هذا يوجب عليهم تأخير الإحرام إلى ابن عمر الجحفة ; ومنه من كانت طريقه على غير المواقيت فإن قوما قالوا : إذا حاذى الميقات لزمه أن يحرم - وهو قول - واحتجوا بما رويناه من طريق عطاء قال : إن أهل ابن عمر العراق شكوا إلى في حجهم أن " قرن المنازل " جور عن طريقهم ; فقال لهم : انظروا حذوها من طريقكم ؟ فحد لهم " عمر ذات عرق " .
قال : وهذا لا حجة لهم فيه لأن الخبر المسند في توقيت النبي صلى الله عليه وسلم علي ذات عرق لأهل العراق وقد ذكرناه آنفا فإنما حد لهم ما حد لهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم لو لم يصح في ذلك خبر لما كان في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة ويكفي من ذلك قوله عليه السلام الذي ذكرنا آنفا " ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ " . عمر
وقد صح عن أنه لم يسمع توقيت النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر يلملم ; فرواية من سمع ، وعلم : أتم من رواية من سمع بعضا ولم يسمع بعضا ؟ وبرهان آخر - : وهو أن جميع الأمة مجمعون إجماعا متيقنا على أن من كان طريقه لا يمر بشيء من المواقيت فإنه لا يلزمه الإحرام قبل محاذاة موضع الميقات .
ثم اختلفوا إذا حاذى موضع الميقات ، فقالت طائفة : يلزمه أن يحرم ، وقال آخرون : لا يلزمه ; فلا يجوز أن يجب فرض بغير نص ولا إجماع .
ومنه من تجاوز الميقات وهو يريد حجا أو عمرة فلم يحرم وأحرم بعده فإن قال : هو مسيء ويرجع إلى ميقاته فيلبي منه ولا دم عليه ولا شيء ; فإن أبا حنيفة فعليه دم شاة ، وكذلك عليه دم إن لم يرجع إلى الميقات ، وحجه وعمرته تامان في كل ذلك . رجع إلى [ ص: 56 ] الميقات ولم يلب منه
قال : ما نعلم أحدا قبله قسم هذا التقسيم [ الطريف ] من إسقاطه الدم برجوعه إلى الميقات وتلبيته منه وإثباته الدم إن لم يرجع ، أو إن رجع إلى الميقات ولم يلب وهذا أمر لا يوجبه قرآن ، ولا سنة صحيحة ، ولا رواية سقيمة ، ولا قول صاحب ، ولا تابع ، ولا قياس ، ولا نظر يعقل ؟ وقال أبو محمد ; مالك وسفيان ، والأوزاعي ، ، والحسن بن حي ، والليث : إن رجع إلى الميقات فأحرم منه ; فلا شيء عليه ، ولا دم ولا غيره لبى أو لم يلب ; وإن لم يرجع فعليه دم ، وحجه ، وعمرته : صحيحان . وأبو يوسف
وقال : عليه دم شاة رجع إلى الميقات أو لم يرجع . زفر
قال : روينا من طريق أبو محمد قال : نا ابن أبي شيبة وكيع وابن علية قال : عن وكيع عن سفيان الثوري حبيب بن أبي ثابت ; وقال ابن علية : عن عن أيوب السختياني عمرو بن دينار عن ثم اتفق جابر بن زيد حبيب ، كلاهما عن وجابر : أنه كان يرد إلى الميقات الذين يدخلون ابن عباس مكة بغير إحرام ، قال : رأيته يفعل ذلك ، ومن طريق جابر عن عبد الرزاق ابن مجاهد عن أبيه عن قال : إذا زل الرجل عن الوقت - وهو غير محرم - فإنه يرجع إلى الميقات فإن خشي أن يفوته الحج تقدم وأهراق دما . ابن عباس
وعن عن ليث عن عطاء إذا لم يهل من ميقاته أجزأه وأراق دما - ومن طريق ابن عباس نا ابن أبي شيبة عن وكيع عن إسماعيل وبرة : أن رجلا دخل مكة - وعليه ثياب وقد حضر الحج وخاف إن رجع فوته - فأمره أن يهل من مكانه فإذا قضى الحج خرج إلى الوقت فأهل بعمرة . ابن الزبير