937 - مسألة :
وإذا فسواء أسلم الكافر الحربي ، أو لم يخرج ، أو أسلم في دار الحرب ، ثم خرج إلى دار الإسلام ، كل ذلك سواء . [ ص: 365 ] وجميع ماله الذي معه في أرض الإسلام ; أو في دار الحرب ، أو الذي ترك وراءه في دار الحرب من عقار ، أو دار ، أو أرض ، أو حيوان ، أو ناض ; أو متاع في منزله ، أو مودعا ، أو كان دينا : هو كله له ، لا حق لأحد فيه ، ولا يملكه المسلمون إن غنموه أو افتتحوا تلك الأرض . خرج إلى دار الإسلام ثم أسلم
ومن غصبه منها شيئا من حربي ، أو مسلم ، أو ذمي : رد إلى صاحبه ويرثه ورثته إن مات ، وأولاده الصغار مسلمون أحرار - وكذلك الذي في بطن امرأته .
وأما امرأته وأولاده الكبار ففيء إن سبوا وهو باق على نكاحه معها ، وهي رقيق لمن وقعت له سهمه .
برهان ذلك - أنه إذا أسلم فهو بلا شك ، وبلا خلاف ، وبنص القرآن والسنة : مسلم ; وإذ هو مسلم ، فهو كسائر المسلمين - وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { } ، فصح أن دمه ، وبشرته ، وعرضه ، وماله حرام على كل أحد سواه ، ونكاح أهل الكفر صحيح ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقرهم على نكاحهم ، ولو كان فاسدا لما أقره ، ومنه خلق عليه السلام ، ولم يخلق إلا من نكاح صحيح ، فهما باقيان على نكاحهما لا يفسد شيء ، ولا غيره إلا ما جاء فيه النص بفساده . إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام
والعجب أن الحاضرين من المخالفين لا ينازعوننا في أن دمه ، وعرضه ، وبشرته ، حرام - ثم يضطربون في أمر ماله ، وهذا عجب جدا وقولنا هذا كله هو قول الأوزاعي ، ، والشافعي . وأبي سليمان
وقال : إن أبو حنيفة فإنه حر ، وأمواله كلها له ، لا يغنم منها شيئا ، ولا مما كان له وديعة عند مسلم ، أو ذمي ، وأولاده الصغار مسلمون أحرار ، حاشا أرضه - وحمل امرأته فكل ذلك غنيمة وفيء ويكون الجنين مع ذلك مسلما . أسلم في دار الحرب وأقام هناك حتى تغلب المسلمون عليها
وأما امرأته وأولاده الكبار ففيء .
وقال : وأرضه له أيضا . أبو يوسف
قال : فإن أسلم في دار الحرب ثم خرج إلى دار الإسلام فأولاده الصغار [ ص: 366 ] أحرار مسلمون لا يغنمون ، وكل ما أودع عند مسلم ، أو ذمي فله ، ولا يغنم - وأما سائر ما ترك في أرض الحرب من أرض ، أو عقار ، أو أثاث ، أو حيوان ففيء مغنوم - وكذلك حمل امرأته ، وهو مع ذلك مسلم . أبو حنيفة
فإن خرج إلى دار الإسلام كافرا ، ثم أسلم فيها فهو حر مسلم - وأما كل ما ترك من أرض ، أو عقار ، أو متاع ، أو حيوان ، أو أولاده الصغار ففيء مغنوم ، ولا يكونون مسلمين بإسلامه .
قال : لو قيل لإنسان أسخف واجتهد ما قدر على أكثر من هذا ، ولا تعرف هذه التقاسيم لأحد من أهل الإسلام قبله ، وما تعلق فيها لا بقرآن ، ولا بسنة ، ولا برواية فاسدة ، ولا بقول صاحب ، ولا تابع ، ولا بقياس ، ولا برأي يعقل ، ونعوذ بالله من الخذلان ; بل هو خلاف القرآن ، والسنن : في إباحته مال المسلم وولده الصغار للغنيمة بالباطل ، وخلاف المعقول ، إذ صار عنده فراره إلى أرض الإسلام بنفسه وإسلامه فيها : ذنبا عظيما يستحق به منه إباحة صغار أولاده للإسار والكفر ، وإباحة جميع ماله للغنيمة ، هذا جزاؤه عند أبو محمد ، وجعل بقاءه في دار الكفر خصلة حرم بها أمواله كلها حاشا أرضه ، وحرم بها صغار أولاده حاشا الجنين ، هذا مع إباحته للكفار والحربيين : تملك أموال المسلمين كما قدمنا قبل ، وتحريمه ضربهم وقتلهم إن أعلنوا بسب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأقزع السب ، وتكذيبه في الأسواق ، فإن قتل مسلم منهم قتيلا قتل به فكيف ترون ؟ وهو أيضا خلاف الإجماع المتيقن ; لأنه لا يشك مؤمن ، ولا كافر ، ولا جاهل ، ولا عالم في أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا أطوارا . أبي حنيفة
فطائفة أسلموا بمكة ، ثم فروا عنها بأديانهم : كأبي بكر ، وعمر وعثمان وغيرهم رضي الله عنهم .
وطائفة خرجوا كفارا ، ثم أسلموا : أسلم عند كعمرو بن العاص ، النجاشي أسلم في عسكر النبي صلى الله عليه وسلم . وأبي سفيان
وطائفة أسلموا وبقوا بمكة كجميع المستضعفين من النساء ، وغيرهم ، قال الله تعالى : { وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم } إلى قوله : { ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما } [ ص: 367 ] وكل هؤلاء إذ فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة رجع الخارج إلى داره ، وعقاره وضياعهم بالطائف وغيرها ، وبقي المستضعف في داره وعقاره وأثاثه كذلك ، فأين يذهب بهؤلاء القوم لو نصحوا أنفسهم ؟ وأتى بعضهم هاهنا بآبدة هي أنه قال : قال الله عز وجل : { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم } وذكر ما روينا من طريق أبي عبيدة عن أبي الأسود المصري عن عن ابن لهيعة أن يزيد بن أبي حبيب كتب إلى عمر : من أسلم قبل القتال فهو من المسلمين له ما للمسلمين وله سهم في الإسلام ، ومن أسلم بعد القتال ، أو الهزيمة فماله فيء للمسلمين ، لأنهم قد أحرزوه قبل إسلامه ، قال : فسماهم تعالى فقراء ، فصح أن أموالهم قد ملكها الكفار عليهم ؟ قال سعد بن أبي وقاص : لقد كان ينبغي أن يردعه الحياء عن هذه المجاهرة القبيحة وأي إشارة في هذه الآية إلى ما قال ؟ بل هي دالة على كذبه في قوله ; لأنه تعالى أبقى أموالهم وديارهم في ملكهم ، بأن نسبها إليهم ، وجعلها لهم ، وعظم بالإنكار إخراجهم ظلما منها - ونعم ، هم فقراء بلا شك ; إذ لا يجدون غنى . أبو محمد
وهم مجمعون معنا على أن رجلا من أهل المغرب ، أو المشرق لو حج ففرغ ما في يده بمكة أو بالمدينة ، وله في بلاده ضياع بألف ألف دينار ، وأثاث بمثل ذلك ; وهو حيث لا يقدر على قرض ، ولا على ابتياع ، ولا بيع فإنه فقير تحل له الزكاة المفروضة ، وماله في بلاده منطلقة عليه يده .
وكذلك من حال بينه وبين ماله فتنة ، أو غصب ، ولا فرق ، ولقد عظمت مصيبة ضعفاء المسلمين المغترين بهم منهم - ونحمد الله تعالى على ما هدانا له من الحق .
وأما الرواية عن رضي الله عنه فساقطة ; لأنها منقطعة - لم يولد عمر إلا بعد موت يزيد بن أبي حبيب رضي الله عنه بدهر طويل - وفيها : عمر ، وهو لا شيء . ابن لهيعة
ثم لو صحت لما كان لهم فيها متعلق ; بل هي موافقة لقولنا وخلاف لقولهم لأن نصها ، من أسلم قبل القتال فهو من المسلمين له ما للمسلمين ، فصح بهذا أن ماله كله حيث كان له كما كان لكل مسلم ; ثم فيها إن أسلم بعد [ ص: 368 ] القتال ، أو الهزيمة فماله للمسلمين فيء ، لأنه قد أحرزه المسلمون قبل إسلامه - فهذا قولنا ; لأنه قد صار ماله للمسلمين قبل أن يسلم ; فاعجبوا لتمويههم وتدليسهم بما هو عليهم ليضلوا به من اغتر بهم